الاربعاء ١٩ فبراير ٢٠١٤ -
٣٩:
١٢ م +02:00 EET
بقلم : د. أحمد الخميسي
ينتظر البعض تجدد العلاقات المصرية الروسية بعد زيارة السيسي لموسكو. وهي علاقات يمتد تاريخها لأكثر من مائتي عام حين تم تعيين أول قنصل روسي في الإسكندرية في نوفمبر 1784 عهد على بك الكبير! بعد ذلك بنحو نصف القرن عام 1838 استدعى محمد علي باشا المقدم الروسي إيجور كوفاليفسكي إلي قصره، وأهداه علبة نشوق ذهبية غالية ثم سأله إن كان الروس قد توصلوا إلي طريقة لاستخلاص الذهب من الرمل؟
وقال له المقدم الروسي " نعم . لدينا طريقة إلي ذلك"! فأرسل محمد علي أول بعثة تعليمية مصرية إلي سيبيريا مؤلفة من طالبين مصريين درسا علم التعدين ورجعا لمصر وتوجها إلي النوبة وفازولي بالسودان ليستخلصا الذهب لمشروع النهضة! ولم تنقطع العلاقات المصرية الروسية على مدى مائتى عام لكنها كانت تضعف أوتقوى وفقا للأوضاع الدولية والمحلية إلي أن شهدت قفزة غير مسبوقة عهد جمال عبد الناصر على كافة المستويات. وخلال العدوان الثلاثي عام 1956 لم تكتف روسيا بإنذار بولجانين الشهير الذي وجهه لبريطانيا وفرنسا متسائلا " ماذا لو أن دولة أقوى منكما قامت بقصف لندن وباريس؟
" بل ترافق الإنذار بوصول وحدات عسكرية روسية إلي الإسكندرية متخفية في الزي الرسمي للجيش البولندي! وأعقب ذلك صفقة الأسلحة التي سميت بالصفقة التشكيية تجنبا لاستفزاز الغرب، وتلتها اتفاقيات أخرى عام 1963، وعندما فقدت مصر في نكسة 67 ثلثي طائراتها وثمانمائة دبابة من أصل ألف أقام الروس جسرا جويا مفتوحا مع مصر ودعموا جيشها بورش الإصلاح والكوادر والسلاح.
وفي 22 يناير 1970 قام عبد الناصر بزيارة سرية لموسكو وكان منهكا ومعذبا بالرغبة في تحرير بلاده فطلب من الروس صواريخ سام – 3 مع خبراء، وللمرة الأولى والأخيرة في تاريخ الاتحاد السوفيتي يجتمع المكتب السياسي للحزب في ظرف أربع وعشرين ساعة ليتخذ قرارا بشأن الطلب المصري. وتم إرسال خمسة عشر ألف ضابط وجندي سوفيتي إلي مصر مع الصواريخ وشبكة دفاع جوي، وبعدها كفت طائرات الفانتوم عن التوغل في العمق المصري. إلا أن تلك الطفرة تمت في ظل موازين قوى تصارعت خلالها الاشتراكية السوفيتية والرأسمالية العالمية، بينما تأتي زيارة المشير السيسي في ظرف دولي توارى فيه الصراع لصالح التوافق، لهذا كان الدور الروسي خلال أزمة العراق ثم الحرب عليه قاصرا على الترويج للمشروع الأمريكي،
وهو ما تم أيضا في ليبيا، إلا أن خروج روسيا صفر اليدين من العراق وليبيا دفعها للالتفات بقوة إلي مصالحها الخاصة والتشدد فيما يتعلق بسوريا والترحيب بزيارة السيسي، والإعراب عن الاستعداد لفتح أبواب التعاون وعقد الصفقات العسكرية والاقتصادية. إلا أن الانجراف العاطفي وراء آمال مستلهمة من مرحلة تاريخية سابقة سيكون خداعا للنفس. فقد انقضى زمن اختلف فيه الطرفان اللذان يواصلان علاقة بذكريات قديمة، فقد كفت مصر عن أن تكون " ناصرية " ولم تعد روسيا " سوفيتية". وسوف ترسم المصالح آفاق التعاون والصداقة على نحو مختلف.
بالنسبة لنا فإن كل خطوة للتحرر من الاحتكار الأمريكي للسلاح المصري الذي استمر نحو أربعين عاما هي خطوة تتيح هامشا للحركة السياسية. وفي بعض الظروف يعد حتى " الهامش" مكسبا تاريخيا. أملنا إلي جانب المصالح العسكرية والاقتصادية أن تتطور أيضا العلاقات الثقافية التي كان للأدب والثقافة الروسيين خلالها تأثير كبير، منذ أن تبادل الإمام محمد عبده والروائي العالمي ليف تولستوى رسائل المودة والتقدير رغم اختلاف الرؤى.