محمد أبوقمر
حول عملية تعويم السفينة دار كلام كتير من أفندية متخصصين في الخسة والندالة ، وبيني وبينك النوعية دي هما أنفسهم ما يعرفوش هما عايزين إيه ، كل إللي بيعملوه هو إثارة الغبار علشان إحنا ما نشوفش الحقايق بل علشان حتي ما نشوفش نفسنا صح ومنعرفش مدي قوتنا وقدرتنا علي إزاحة أي عائق أمام مسيرة حياتنا.
سيبك بأه من كلامهم وتعالي نشوف إحنا عملنا إيه ونقدر نعمل إيه ، أظنك فاكر كويس إننا كنّا اتهزمنا في 1967 ، وكانت كل حسابات الأصدقاء قبل الأعداء إننا خلاص مش هانقدر نطلع من الهزيمة دي لأن 80% من قدراتنا العسكرية كانت اتدمرت تماما ، وكان الاسرائيليين عملوا خط بارليف علي الصفة الشرقية للقناة وقال الخبراء العسكريين في كل دول العالم إن تحطيم الخط ده محتاج قنبلة ذرية وإحنا في الوقت ده مكنش عندنا حتي قنبلة حرنكش ، الخبراء الدوليين قالوا إننا حتي لو قدرنا نستعيد قدرة جيشنا في عشرين سنة علي الأقل مش هانقدر برضه نعدي القناة ولا هانقدر نحطم خط بارليف ولا هانقدر نواجه جيش اسرائيل إللي كان عنده في الوقت ده أحدث أنواع الأسلحة بما فيها طيارات الفانتوم الرهيبة وكانت وراه أمريكا بكل ثقلها العسكري.
باختصار بعد ست سنوات بس وفي ست ساعات بس المصريين حطموا كل الكلام ده ، حطموا خط بارليف إللي كان عايز قنبلة نووية علشان نقدر عليه والعيال المصريين الشجعان عدوا القناة ورفعوا العلم فوق خط بارليف في ملحمة أذهلت العالم كله ، هاتقولي إزاي حصل ده هاقولك إرجع للتاريخ علشان تعرف معدن الإنسان المصري وتعرف هو عنل إيه في كل مصيبة قابلته لأن عاش حياته كلها يواجه مصيبة بعد مصيبة ، يعني الشعب ده متعود ع البلاوي ومتعود يطلع من كل بلوه كاشف عن قدرته وعن إنسانيته وعن عشقه للحياة.
جنوح السفينة في القناة إنت شوفت إزاي المصريين حلوها وأظنك حسيت من لمعان عيون كل مصري ومصرية وكأنهم بيقولولك : ياعم سفينة إيه وزفت إيه دا إحنا بناة الأهرامات والحضارة العريقة إللي حوالين النيل ، وعلشان تعرف نفسك أكتر لازم تعرف إن شعوب كتيرة كان عندها أنهار زي نهر النيل ويمكن أكبر وأطول لكن معملوش حوالين النهر إللي أجدادك عملوه ...التحنيط ، والصروح الأثرية المذهلة ، وعلوم الفلك ، وصناعة الزجاج ، والزراعة الواسعة المبهرة ، وفوق كده النظام والوحدة والأخلاق والمثل الإنسانية الرفيعة والمعرفة بإله الكون قبل كل الديانات السماوية والأرضية بآلاف السنين والحكايات والمثل والأمثال وفوق ده وده برضه الدولة ، أجدادك هما أول ناس كانوا دولة بمعني الدولة جيش وحاكم وتراتب وظيفي وشعب وقوانين في وقت كانت البشرية حواليهم خالية من أي نظام أو تنظيم .
دلوقتي إحنا لسه قدامنا مصيبة تانية محتاجة مننا شجاعة أكبر من شجاعتنا في حرب أكتوبر العظيمة ، محتاجة سرعة وإخلاص زي السرعة والتفاني إللي عملوه ولادنا في موضوع السفينة ، محتاجة وعي ، محتاجة قلب ، محتاجة إدراك بإننا لو تكاسلنا أو ترددنا في مواجهة المصيبة دي هايبقي كل إللي عملناه وبنعمله دلوقتي في سبيل النهوض وملاحقة ركب الحضارة الإنسانية هايبقي في مهب الريح ، عارف ليه؟ ، لأنك مش مش هاتعرف تحافظ علي مصنع إنت بنيته وعقلك مليان بالخرافة ، مش هاتعرف تشوف مستقبلك بوضوح وإنت عايش في الماضي ، مش هاتعرف تنظم حياتك وإنت خايف أحسن تكون تصرفاتك حرام ويكون مصيرك النار ، مش هاتقدر تتحرك بحرية علشان تبني مستقبلك وانت مسلم عقلك ووعيك للي يحددوا لك تدخل الحمام إزاي وتنام علي أي جنب وتتجوز إزاي وتطلق إزاي وتعالج نفسك إزاي لما تمرض وتعامل المخالفين لك في الدين إزاي وتسلم علي مين ومتسلمش علي مين وتعامل مراتك إزاي وتلبس إيه ويملوا دماغك بادعاءات الأفضلية إللي ملهاش أي أساس علشان تفضل غرقان في الجهالة والخواء ويتسلطنوا علي قفاك.
المصيبة إللي محتاجه الشجاعة والوعي والإرادة هي المؤامرة إللي عملوها الخونةوالعملاء ضدك لما انتصرت في حرب اكتوبر علشان ينسوك نفسك واسمك وتاريخك ويحولوك إلي مجرد جثة بتاكل وتشرب وتمارس غريزتها زي أي حيوان ملوش أي لازمة ، مؤامرة الصحوة الاسلامية إللي خدعوك بأنها صحيح الدين وهي مجرد حقنة شرجية مليانة سموم بس مغلفينها بالدين .
حاول تفكر كده وتسأل نفسك ولو لمرة واحده : ليه بيحاصروك بالفتوي في كل تفاصيل حياتك؟ ، ليه بيحرموا عليك انتقادهم ؟ ، ليه مصممين يقولوا رأيهم في كل اختراع ويحددوا إذا كان حرام أو حلال ، ليه بيعتبروا إن بنتك لو كشفت شعرها أو لبست لبس بتحبه تبقي خليعة وقصدها تثير الرجالة وتأثر علي غرائزهم؟؟ ، ليه بيدخلوا بينك وبين مراتك تعاملها إزاي وتطلقها إزاي ؟ !! ، ليه بيحددوا إن دخولك النار أو الجنة هو في اتباع ما يقولونه لك ؟!
لو سألت نفسك الأسئلة دي هاتلاقي الإجابة حاجه واحده وهي إنك تفضل كده حياتك ومستقبلك وعقلك ووعيك وروحك مش ملكك ، تفضل كده مجرد كائن خشبي هما ماسكين خيوطه يحركوه زي ما هما عايزين ، الحاضر إنت مش عايشه ، ملكش مستقبل ، إنت بس اتولدت علشان تموت ويكون مصيرك الجنة لو مشيت زي الأهبل وراهم أو النار لو خالفتهم.
مفيش مصيبة ياعزيزي أكبر من كده ، المصيبة دي أكبر بكتير من مصيبة السفينة ، وأكبر كمان كتير جدا من هزيمة يونيو سنة 1967 ، المصيبة دي مش محتاجة طيارات ولا كراكات ، محتاجة عقلك ، محتاجة وعيك ، محتاجة إنك تطرح علي نفسك باستمرار أسئلة علشان تثبت بصحيح إنك إنت فعلا سليل الأجداد إللي بنوا أعظم حضارة في التاريخ.