د. مينا ملاك عازر
لا اخفي عليك صديقي القارئ، أنني كنت أود أن أترك المساحة هذه للنقاش مع حضرتك حول مسألة لعنة الفراعنة التي تلم بنا مؤخراً، وبالبلد بشكل واضح، بيد أن وفاة دولة رئيس وزراء مصر الأسبق السيد الدكتور كمال الجنزوري، جعلتني أتوقف وأتريث في مسألة الكتابة عن لعنة الفراعنة، وسألت نفسي، هل هذا نوع جديد من اللعنة التي تصيب كل من يأتي نحو الفراعنة والتي تلم بالبلد بسبب محاولة نقل المومياوات الملكية من متحفها بالتحرير لمتحفها الجديد، ولأني لا أومن بهذا، قررت أن أخاطر بكل شيء، وأكتب عنها برغم من كل شيء.
وما أن جلست أمام جهاز الحاسوب الخاص بي إلا وجد زوجتي الحبيبة تدخل علي وهي مدلاة الرقبة، منفصلة عن جسدها مربوطة بحبل وريد واحد تحول لسستة أو زنبرك يطول ويقصر تسندها على كفها، وعيناها محدقتان في السقف، وبصوت يخرج من المكان الرقبة فوق الكتفين، تقول بل اكتب عن لعنة الفراعنة، فازداد ذهولي ذهول، وسألتها ومن أين عرفت بهذا، قالت بصوت رخيم ضخم غير معتد منها، وهي الرقيقة كالنسمة في صوتها، ما أنا عارفاك تحب تخش في حقول الألغام، وتكتب فيما هو شائك، فقمت وأعدت رقبتها مكانها، وأخذت ألصقها بكل ما لدي من مواد لصق وشيكارتون وسيلوتيب حتى عادت الرقبة للعمل فهزت زوجتي رأسها، وقالت يعني مصر على أن تجيب لنا اللعنة مش مكفيك اللي حصل لرقبتي قلت طالما اتعالجت يبقى تمام التمام، يا ستي وسيبيني أشوف شغلي، خرجت وعدلت جلستي لأشرع في الكتابة.
وهنا كانت صرخة مدوية ملأت أركان البيت وهزت زواياه وأعمدته، وحين لم أخرج وقررت أن أكتب أول حرف من المقال، وجدتها تعود لي وهي تجهش في بكاء وتشدني من ذراعي للخارج، أن تبعتها ومشيت وراءها، وهو أمر غير معتاد مني، لكني فعلت، وذلك تحت وطأة قوة هائلة من جسدها وشخصيتها، وجدتني أخرج لأرى ولدي الوحيد قد تخلص من عبء الجاذبية الأرضية، ورأسه ملتصق في السقف ويطير كسوبرمان وسبايدرمان، وطبعاً الطفل سعيد وفرحان، لكن أمه مصدومة، وهنا وقعت بين خيارين، هل أترك الولد سعيد وأبقي على تعاسة أمه أم أقضي على سعادة الولد لأرضي أمه، ولكن فجأة وبشكل منطقي وجدت نفسي أكتشف أن الأمر لو استمر هكذا وبعيد عن مشاعر زوجتي وإحساسها بالخطر، سأجد الولد محلق في سماء علاليه مثل بلالين الهليوم، ما أن يخرج خارج الشقة اللي يعمل سقفها على كونه مصد لطيرانه لأعلى وهنا جمعت كل الأثقال التي بالشقة وتحاشيت أن أجمع الهموم التي هي كثيرة لأبعد الحدود، وربطها بقدميه، وكان هذا كافي حتى نزل بالولد لأسفل، وعاد يسعى على قدميه فوق الأرض فأراح الأم وتركتني زوجتي وهي تحتضن ولدها العائد من التحليق في سماء الشقة، فقررت العودة ثانية لأكتب مقالي، فعاجلتني بنظرة حادة وكلمات قاطعة وقالت برضه مصر على اللي في دماغك، ما تهدأ بقى وسيبك من أجدادنا، فقلت لها يا عزيزتي اللعنة ليست لعنة الفراعنة ولكن لعنة فساد إداري مستشري جعلنا نبحث عن تراخيص البناء، ولا نهدم ما يستحق الهدم في سبيل جمع المال، فسقط العقار بجسر السويس، وجعلنا نشتري القطارات التي تبدو حديثة ونترك البشر خاملين فاشلين بائسين يرتكبوا الجرائم ويتحكمون في آلات تسبق علمهم بسنين طويلة وتسبق رغبتهم في أداء عملهم بقرون أطول، وبعدين ما أنت شفتي نجاح التعويم للسفينة برغم ما تدعونه من وجود تلك لعنة، يعني لما تتوافر الإرادة والإدارة كله ينجح، وسيبك من انفصال رقبتك، وطيران الولد، لأنه كله في إطار كذبة إبريل كل إبريل وأنتم صادقين.
المختصر المفيد اللعنة لعنة الفساد والإدارات، وليس لعنة الفراعنة، لأنهم لا يلعنون ولكنهم ينجحون.
