الأقباط متحدون - جماعات الضغط وحكم التاريخ
أخر تحديث ٠٥:٢٧ | الأحد ١١ نوفمبر ٢٠١٢ | ١ هاتور ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٤١ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

جماعات الضغط وحكم التاريخ

بقلم : مدحت بشاي
medhatbe@gmail.com
فجأة ، خرج البعض من أهل التشدد بقنبلة دخان عبيطة ، والتي صرخت في اجتماعات الجمعية التأسيسية بضرورة مراقبة أموال الكنيسة المصرية ، وهم يعلمون تمام العلم خيابة الطرح وعدم منطقيته ، فكيف لهؤلاء تلك الجرأة ، والمواطن المسيحي دافع الضرائب ، والمشارك بقوة في تنمية البلاد والدفاع عنها جنوداً وضباطاً يتم الانتفاع بمتحصلات ضرائبه في بناء وتشغيل المساجد وكافة المؤسسات الدينية الضخمة على أرض مصر وخارجها ، والصرف على مؤسسات الإعلام التي لا تخصص أي برامج للمواطن المسيحي باستثناء إذاعة قداس الأحد على قناة فرعية مسجلاً ( نكتة مريرة أن تذاع صلوات في غير موعدها بينما يقطع البث خمس مرات لإذاعة أذان الصلاة ) ، وأيضاً تخصيص ميزانية ضخمة لدعم رحلات الحج والعمرة .. كيف سمح هؤلاء لأنفسهم الحديث عن أموال الكنيسة وهناك جامعة حكومية ضخمة مدعومة بأموال كل المصريين وهي جامعة الأزهر التي لا تسمح بتعليم الأقباط بقرار تمييزي غريب ..
 
وأذكر حالة الغضب التي أعرب عنها بعض أصحاب الفكر الليبرالي من ثورة يوليو لصدور ذلك القرار ، وهو تحويل جامعة الأزهر وهي جامعة تقدم لطلابها علوم الدين والدعوة والشريعة والتاريخ الإسلامي بريادة تاريخية وعلمية وبحثية ، إلى جامعة تقدم علوم الدنيا الحديثة مضافاً إليها علوم الأزهر ودعائم رسالته الدعوية ، وأرى أن تلك الخطوة كانت سلبية للأسباب التالية :
إنشاء جامعة لا تقبل غير المسلم للالتحاق بها ، قد كرس حالة من عدم تكافؤ الفرص وإهدار للعدالة الاجتماعية التي كانت الثورة تدعي أنها جاءت لتحقيقها ، وكانت قد ضمنتها المبادئ الستة كأهداف لها ..
إن إنشاء جامعة بمرجعية دينية تشكل حالة من التمييز ، فتكون النتيجة تفضيل تعيين الطبيب والمهندس والمحامي خريج الجامعة الأزهرية في مواقع لها إدارات متشددة ، في خرق واضح  لكل مبادئ المواطنة ، وفي خلط للأوراق بين ما هو سعي لدولة حاضرة للتنافس ، ودولة دينية !!
لقد كان للثورة إنجاز عبقري في إنشاء آلية مكاتب التنسيق ، والتي يتم عبرها توزيع الطلاب وفق رغباتهم وبما تسمح به مجاميعهم في الثانوية على كليات الجامعات المصرية ، بأعين معصوبة ووفق معيار واحد هو مدى التفوق .. إلا أن ذلك النظام تم اختراقه وإهداره بعد تخصيص كليات لأصحاب عقيدة دون سواها ، وكانت النتيجة وجود كليات للطب والصيدلة والعلوم وخلافه تابعة لجامعة الأزهر تقبل طلاباً بمجاميع أقل في تمييز على أساس ديني يُعلي مشاعر غير طيبة لدى شباب في مقتبل العمر ..
 
وإلى من أغضبهم قرار إنشاء جامعة للعلوم العصرية بانتماء ديني أحيلهم إلى مقال أستاذ في كلية الحقوق ـ جامعة القاهرة ( وأكرر أستاذ في كلية الحقوق ) هو د. محمد يوسف موسى تحت عنوان " الأزهر والجامعة " تم نشره في مجلة " الرسالة الجديدة " في عددها الأول في أول أبريل 1954 لنرى نموذج للضغط الذي يمارسه أحياناً للأسف ـ بعض من المثقفين ورجال العلم على صانع القرار في الاتجاه الخاطئ والسلبي .. أختار منه بعض الفقرات الهامة :
كلتاهما جامعة ، إلا أن الأولى بلغت من العمر ألفاً من السنن أو تزيد ، على حين لا تزال الثانية في بداية عمرها المبارك المديد ، وكلتاهما منارة علم يستنر بضوئها أبناء العروبة والإسلام جميعاً ، إلا أن طريقهما لا يلتقيان لاختلاف ما بنهما في الغاية والوسيلة وطريقة البحث والدرس ..
لقد أنشيء الأزهر منذ نيف وألف عام ليكون مقراً لدعوة دينية خاصة أرادها منه الفاطميون الذين أنشأوه ، لكنه لفرط حيوته تراه قد تمرد على ما أُريد له ومنه ، فصار كما تعرف مركز الدراسات الإسلامية على اختلاف ألوانها قروناً كثيرة ، كما كان منه من حفظ للدين قداسته وجلاله ، وللأخلاق قيمها العالة السامية ، ومن جعل غايته الجهر بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهما أغضب هذا الرئيس أو ذاك ..
أن مصر في حال انحلال خلقي هو علة ما نشقى به هذه الأيام ، وأن كثيراً من أهلها ينأون عن الدين وتعاليمه ومثله العليا كل يوم بخطى واسعة رتيبة ، وليس يمكن أن نخرج من هذا الحال الأليم إلا بالأزهر ودور التعليم على اختلافها ، حين يستطيع الرؤساء والقوامون على هذه المعاهد العلمية تربية الناشئة  على العمل الطيب والقول الحق وعدم خشية أحد إلا الله تعالى وحده ..
 
ولن يكون لمصر ، بعد هذا كله ، جامعة جديرة بهذا الاسم إلا إذا وسعت جميع من يتقدم إليها من أبناء مصر وغير مصر مادام يكون له من المستوى العلمي ما يؤهله للانتساب إليها ، وهنا تظهر التبعة والمسئولية التي على الدولة لتيسر للجامعة القيام بهذه المهمة .. إن من المخجل أن تتسع جامعات أوروبا لكثير ممن لا تتسع لهم جامعة مصر ، لأنهم لم ينالوا البكالوريا من وزارة المعارف !
لقد أبت كلية آداب جامعة الجيزة منذ سنوات على واحد من أبناء الأزهر ومدرسيه وحامل لأكبر درجاته العلمية أن يكون طالب دكتوراه لأنه ليس لديه البكالوريا ، وهذا شرط يوجبه قانونها كما يقولون ، ثم شاء الله أن تسعه أكبر جامعة في أوروبا ، وأن ينال منها أرقى درجاتها العلمية ، وأن يكون أستاذاً في كلة من كلات جامعة الجيزة نفسها ..
 
وبعد .. إن من الخير للأزهر والجامعة ، بل من الخير للأمة جميعاً القضاء على هذه الثنية في العقلة ، وهذا لا يكون إلا بتوحيد التعليم العام : الابتدائي والثانوي على أساس قوي من التمكين للدين والثقافة الإسلامية بأوسع معانيها وحدودها في هاتين المرحلتين ، وهذا رأي أذعناه منذ أعوام ، ثم رددناه في أكثر من مناسبة ، وحينئذ إن تم هذا بتعاون أبناء الأمة الواحدة جميعاً على ما فيه الخير الحق لها سواء من آثر بعد المرحلة العامة للتعليم التخصص في العلوم المدنية ومن آثر التخصص في كليات الأزهر في العلوم والثقافة الدينية الإسلامة .. وهناك مرحلة أخرى قد تكون ـ إن قدر لهذا الرأي الذي نراه أن ينفذ فعلاً ـ وهو جعل الأزهر جامعة بمعنى الكلمة يكون فيها من الكليات ما للجامعات الأخرى ، مع احتفاظها جميعاً بالطابع الديني الإسلامي ، وقديماً كان العالم المسلم فقيهاً وفيلسوفاً وطبيباً ورياضياً   مثلاً ..
هكذا في كل عصر يظهر من يطبلون لقرارات خطيرة وسلبية تسلب الحقوق من أصحابها ، ولله الأمر من قبل ومن بعد 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter