بقلم : ابرام مقار

　

جلس الرجل العجــوز بجوار ابنه البالغ من العمر 25 عاماً في القطار. وبدا الكثير من البهجة والفضول على وجه الشاب الذي كان يجلس بجانب النافذة، فحينما اخرج الشاب يديه من النافذة وشعربمرور الهواء صرخ «أبي انظر جميع الأشجار تسير ورائنا» .... فأبتسم الرجل العجوز ليجاري ابنه فرحته. وبجانبهم

بالقطار كان يجلس زوجان يستمعان إلى ما يدور من حديث بين الأب وابنه. وشعروا بقليل من الإحراج فكيف يتصرف شاب في عمر 25 سنة كالطفل هكذا!!!.

 

وفجأة صرخ الشاب مرة أخرى وقال «أبي، انظر إلى البركة وما فيها من حيوانات، ثم نظر الي فوق وقال انظر يا ابي الغيوم، انها تسير مع القطار» .. وهنا استمر تعجب الزوجين من حديث الشاب مرة أخري. ثم بدأ هطول الامطار، وقطرات الماء بدأت تتساقط على يد الشاب والذي إمتلأ وجهه بالسعادة وصرخ مرة أخري فرحاً وقال «أبي انها تمطر ، والماء لمس يدي، انظر يا أبي» ....

 

وفي هذه اللحظة لم يستطع الزوجان السكوت وسألوا الرجل العجوز هل تري ما يفعله ابنك الشاب الذي يفكر كالاطفال كلما راي شيئاً فلماذا اذن لا تقوم بزيارة الطبيب والحصول على علاج لإبنك ؟؟؟؟؟» وهنا نظر الرجل العجوز الي الزوجان وقال لهم «إننا بالفعل قادمون من المستشفى حيث أن إبني قد أصبح بصيراً لاول مرة في حياته» .....

 

تذكرت هذه القصة بما لها من اشارة الي خطورة التسرع في الحكم علي الاخرين حينما منحت الشبكة العربية للتسامح جائزتها هذا العام للمفكر سمير مرقص في احتفال كبير في الجامعة الأمريكية ببيروت وسط حشد كبير من سياسيين ومثقفين لاسهاماته في نشر ثقافة التسامح. تذكرت حينما كنت ضيفاً علي قناة امريكية وبعد ساعات من اختيار محمد مرسي لمستشاريه ال 17 وقال لي المذيع ان مرسي اختار قبطياً ليكون مساعداً له، وهنا انتقدت سمير مرقص وقلت ان اختيار مرقص لم يتم عن كفاءاته الشخصية بل نوعاً من التمثيل الخالي من دور حقيقي او صلاحيات فتم اختياره بسبب اسمه الواضح قبطيته، وانه لو لم يكن اسم الوالد «مرقص» وكان اسم اخر يقبل القسمة علي اثنين -اي يسميه المسيحي والمسلم علي السواء- لما تم تعيينه بهذا المنصب، تماماً مثلما كان يفعل مبارك في تمسكه بعائلة "بطرس غالي". وبالرغم من ان انتقادى لسمير مرقص كان بدافع واسباب حقيقية مثل قبوله للعمل مع رئيس لن يفعل ما وعد به قبل الرئاسة، وهذا ما حدث.

 

ومنها ان مرسي تعهد بنائب قبطي ولكنه اختاره فقط مساعداً في قطاع غير معروف وهو «التحول الديمقراطي». ومنها دراستنا لفكر معلمي ومرشدي الاخوان علي مدي تاريخهم، كذلك مذكرات الصحفيين الايرانيين الشيوعيين وما فعله بهم زملائهم الاسلاميين بعد ان وصلوا للحكم بعد الثورة الاسلامية وهم من كانوا اصدقاء حميمين اثناء فترة سجون حكم الشاه. كل هذا يجعلك تستوعب كيف يفكر مرسي وجماعته وكيف ينظر للاخرين.

 

وبرغم كل تلك الدوافع الحقيقية، الا ان الايام اثبتت معدن هذا الرجل فكان سمير مرقص هو اول من استقال من الرئاسة رداً علي اعلان دستوري مرسي في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي. وقال في استقالة مسببة «أن الإعلان الدستوري إضعاف للشرعية ومعدوم قانونياً وغير ديمقراطي كذلك تحصين مرسي لنفسه يقضي علي الفصل بين السلطات». وكانت اول استقالة لمساعدي مرسي في الوقت الذي ظل فيه اخرون ولم يتقدموا بها الا عندما لم يجدوا لهم نصيب بالكعكة. كما لم تتغير مواقفه سواء وهو خارج المنصب او داخله. ولهذا ويعتبر سمير مرقص وجورجيت قليني هؤلاء الاثنين فقط حالات نادرة اخلصت لمصر وغلبت الصالح العام عن صالحهم الشخصي من بين قائمة المعينين الاقباط على مدى اربعة عقود سواء بالرئاسة او الوزارة او المجالس التشريعية.

 

دكتور سمير مرقص انت نموذج مصري وقبطي مشرف .. اعتذر لك فقد تسرعنا في الحكم عليك مثلما فعل الزوجان مع شاب القطار، واهنئك علي جائزتك الاخيرة .. تستحقها .. وكل عيد قيامة مجيد وانت بخير