الحلقة الأولى :
بقلم / أسامة عثمان 
أشد فترات اعتقالي معاناة كانت الفترة الثانية ، واللي بدأت من منتصف عام 1994 وحتى يناير عام 1998 باستثناء الخمس شهور الأولى ، ساعتها كنت بسجن ( استقبال طرة ) ، كان السجن مليان بالمعتقلين من كل محافظات مصر ، وصل عدد المعتقلين في الزنزانة الواحدة إلى 16 معتقل في مساحة 2.75 م x 2.75 م ، وبنهاية العام 1994 وصل العدد إلى 20 في الزنزانة الواحدة وذلك قبل افتتاح السجون الجديدة بالفيوم والوادي الجديد ودمنهور.
كانت الحياة في زنازين الجماعة الإسلامية زي معسكرات الجيش من ناحية النظام على عكس الوضع في زنازين مجموعات الجهاد ومجموعات التكفير واللي كانت أكتر مرونة وحرية للفرد ، أما في زنازين الجماعة فهناك جدول يومي يشغل يوم الفرد من أول الصحيان لحد النوم وما يقدرش حد ما يمشيش على الجدول ده وإلا تعرض للتعزير ( العقاب ) .
 
في أول الاعتقال لقيت شوية إجراءات عملاها الجماعة في زنازينها خلتني أستغرب منها وأسأل عن سببها : أول إجراء كان كل ليلة اتنين منا بيسهروا طول الليل لحد الصبح ، ولما سألت عن السبب كان الرد للتعود على ( الرباط ) }الرباط مصطلح إسلامي بمعنى الوقوف خدمة بالمصطلح العسكري { ، وكمان عشان يفضى مكان للنوم لأن العدد كتير. قلت في نفسي مش مشكلة نرابط ده حتى الرباط عبادة زي ما قال محمد ، تاني إجراء كان النور بيفضل شغال طول الليل ، ولما سألت كالعادة كانت الإجابة عشان إخوانك السهرانين طول الليل مش هينفع يقعدوا في الضلمة ! كان الرد غير مقنع ليا يمكن لأني مش بعرف أنام في النور .
 
تالت إجراء كان ممنوع حد يقعد بالفانلة الحمالات ، ولو حد حابب يغير الفانلة يبقى في الحمام أو حد من زمايلك يعملك ستارة بالملاية في أي ركن من أركان الزنزانة ، المهم محدش يشوفك عاري ولو للحظات حتى ولو كان النص الفوقاني من جسمك ، قلت لأحد أصدقائي أنتو ليه مكبرين الموضوع كده ! هو فيه حد حيبص على راجل زيه ؟!! قالي احنا بشر والنفس البشرية ضعيفة ، وكمان الإخوة أدرى بالمصلحة !! كان اتباع الأوامر من غير نقاش بيفكرني بمسلسل ( غوايش ) بطولة } صفاء أبو السعود ، فاروق الفيشاوي ، نبيل الحلفاوي ، زوزو نبيل {، لما زوزو نبيل كانت تقول لابنها الصغير ( فاروق الفيشاوي ) : كلام أخوك الكبير يصير يا حسانين ، ليه يا أماي ؟!! عشان أخوك الكبير يا ولدي !!!
 
المهم نفذنا التعليمات حتى ولو ماكنش كلها مقنع عشان كلام الجماعة لازم يصير.
المهم إن في نفس الوقت اللي كانت الجماعة مطبقة القواعد المشددة ده كان الناس في زنازين الجهاد والتكفير عايشين عادي لابسين حمالات حتى بره الزنازين ومفيش أي مشكلة ، كان ساعتها الجماعة راسمه صورة لينا عنهم إنهم ناس بزرميط ، ومعندهمش أي حياء ، حاجة كده زي إن احنا المصريين مجتمع الفضيلة والأخلاق ، والغرب هو مجتمع الانحلال والفسق .
 
المهم إن بعد فترة في المعتقل تكتشف إن الوضع مش زي ما اترسم خالص وإن العكس هو الصحيح ، وإن المشاكل الأخلاقية عندنا في زنازين الجماعة أضعاف إضعاف ماهو موجود في زنازين الأفكار الأخرى ، حاجة كده أشبه ب ( الإسقاط ) في علم النفس ، واللي بيعبر عنها المثل العربي ( رمتني بدائها ، وانسلت ) ، أو بصورة أوضح وأبلغ المثل الشعبي القائل ( تكلم القحبة تلهيك ، واللي فيها تجيبه فيك ) .
 
شوية شوية الصورة كانت بتوضح وابتديت اسمع وأشوف قصص العشق والجنس ، واللي اكتشفت إنها أنواع أحيانا حب ومشاعر عذرية بدون جنس وده كانت الأكثر في السنوات الأولى للاعتقال ، وأحيانا تحرش جنسي فقط من غير حب ومشاعر ، وده كان الأقل في السنوات الأولى للاعتقال ، والأكثر انتشارا في السنوات الأخيرة على حساب الحب العذري ، والثالث كان حب مشاعر وجنس ، وده كان الأقل على مدار سنوات الاعتقال ، مكنش بسبب الدين بقدر ما كان بسبب أن مفيش فرصة لأي اتنين انهم يبقوا مع بعض لكثرة الأعداد ، حتى إني لم أسمع غير عن حالة واحدة بس حصلت في سجن الوادي الجديد عن اتنين اتحدوا كل الناس واخترقوا كل الحواجز من دين وعرف والوجود في وسط جماعة متشددة وأعلنوا نفسهم زوجين ، وكانوا بيعملوا لنفسهم خباء ( خلوة أو غرفة ) بالملايات داخل الزنزانة ويحضنوا ويبوسوا في بعض داخلها في تحد للجميع مما عرضهم للضرب من الباقين .
 
في بداية الاعتقال سمعت عن قصة الشاب اللي حاول الانتحار بقطع شرايينه بسبب إن حبيبه تم نقله لسجن آخر ، ورأيت شابين في حالة حب عذري واحد منهم من إمبابة والتاني من أسيوط ( وده على غير العادة لأن بتوع الصعيد ما بيفهموش غير في الجنس بس ) كانوا شابين رقيقين وأخلاقهم عالية جدا ومتدينين جدا ، أتعبوا أمراء السجن معهم في محاولة علاجهم ، وفرقوهم عن بعض كتير في زنازين مختلفة ما نفعش بردو ، لحد ما جه أمير بيفهم شوية وجمعهم مع بعض في نفس زنزانته وكانت وجهة نظره إن البعد بيزيد الشوق وبيلهب المشاعر ، والعيال مؤدبة ومتدينة وما شفناش منهم حاجة وحشة يبقى نخلي الوضع عادي يمكن يتحل لوحده .
 
في أحد الأيام شوفت أحد المعتقلين من أسيوط بيتحرش بشخص آخر أثناء النوم ( نسيت أقولكم إن من ضمن القواعد النوم خلف خلاف ) فكلمته إن ده حرام وما يعملش كده تاني ، ولم أحكي لأحد من باب اللي يستر مسلم في الدنيا ربنا يستره في الآخرة زي ما محمد ذكر في أحاديثه ( حتى في الستر فيه عنصرية ، طب يا عم محمد ما تقول اللي يستر أي حد ) ، المهم الشخص ده كررها تاني فحكيت لأمير السجن وكنت أسكن معه في نفس الزنزانة ( مكنش أي حد بيسكن معاه لأنه شخصية مهمة فكان بيختار الأشخاص الجيدين حسب وجهة نظره ) فتم نقله زنزانة أخرى ، ما فهمتش هو عمل إيه كده لما نقله ماهو حيتحرش هناك بردو ، بس لأنه جندي مخلص للجماعة زي عساكر الأمن المركزي فكان صعب التخلص منه ، وكمان عشان سمعة الجماعة قدام أعدائها من أمن الدولة ومن الإسلاميين أصحاب الأفكار الأخرى .
 
أما لو كان اللي عمل الجريمة ده من خارج الجماعة ، فكان ينظر في حاله إذا كان لا ينتقد الجماعة فيتم الستر عليه ، أما لو كان بينتقد الجماعة فوقعة أمه سودة الفضيحة يا ولدي .
النظام السابق في مصر كان اللي يعارضه يا إما يعمله CD جنسي ، يا إما يتهمه بالعمالة للخارج ، الجماعة بتاعتي كانت نفس الوضع اللي يعارضها يترمي بتهمة جنسية سواء بالحق أو بالباطل ، أو يتقال عليه إنه عميل لأمن الدولة .
 
في فبراير عام 1995 تم افتتاح سجن الوادي الجديد ، وكان أشد السجون في تاريخ مصر ، كان التعذيب جسدي ومعنوي وعلاج مفيش وتغذية ضعيفة للغاية ، أحد وسائل التعذيب كان لما بيخرجوا المعتقلين للاستحمام كانوا بيرغموهم على ممارسة الجنس بالإكراه ، كانوا بيجردوا المعتقلين من ملابسهم تماما ويخلوا شخص يحضن شخص من الخلف حتى يتم الإنزال دون إدخال ويقولولهم يلا يا ولاد المت***ة حلينا لكم أزمة السكن والزواج !! بس حقيقة لا أعلم هل هذه كانت سياسة عامة للسجن ولا تصرف شخصي من أحد الضباط .
وغير حالة الزواج اللي حكيت عنها قبل شوية ، حكى لي أحد الأصدقاء إن صديقه ضبط أمير أحد العنابر} واللي يساوي كده عقبال أملتكم ( محافظ ) في مناصب الدولة { ضبطه متلبسا بالتحرش ، فخيره ما بين ترك جميع المناصب والرجوع فرد عادي أو الفضيحة ، فاختار ترك المناصب وقاله اديني فرصة انسحب بالتدريج ، وفعلا نفذ .
 
أحد أشد المصايب في هذا السجن كان أميره العام اسمه ( محمد يحيي ) ، كان مصاب بالهوس الجنسي وكان يعادي أي شيء فيه تاء مربوطة ( ة ) ، وكان ليه قواعده الخاصة للوقاية من الانحرافات الجنسية بالإضافة إلى القواعد السابقة :
1- أي حد أمرد ( ليس له لحية ) لازم يعمل بطانيته شوال ويدخل جواها أثناء النوم .
2- ممنوع أي حد يتخذ كنية باسم بنت ( الكنية يعني أبو فلان ) كان بيقول مش كل واحد كان بيحب لي في واحدة قبل الالتزام يسمي نفسه بيها .
3- ممنوع ذكر أسماء النساء في الأحاديث النبوية .
وبسبب هذا المهووس أصيب كثير من الأشخاص بالمرض النفسي ، حتى أن أحد الأشخاص أصيب بالانهيار بسبب كتر القيود عليه ومعاملته كأنثى وكل ده بسبب إنه أمرد ، كانوا بيعاملوه زي الآباء والأمهات لما بيخنقوا بناتهم بحجة إنهم خايفين عليهم أحسن حد يعمل فيهم حاجة .