الثلاثاء ١١ فبراير ٢٠١٤ -
١٢:
١١ ص +03:00 EEST
القديس أنطونيوس
الرهبنة تبنى على محبة الوحدة والسكون لا على القوانين الصارمة
عرض : ساميه عياد
كان قلبه قد مات عن العالم وكل رغباته ، ترك الأهل والبلد والمال والجاه والعلم وكل شىء ، ولم يعد يشتهى شيئا عالميا ، أنه رجل البرية الأنبا أنطونيوس ابن الجبال ، صاحب القلب القوى الذى لا يخاف ، الذى عاش فى الجبال وحده عشرات السنوات لا يؤنسه سوى الله...
هكذا تأمل المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث فى حياة السكون التى عاشها القديس الأنبا أنطونيوس ، قائلا ، حقا لقد سألت نفسى مرة ، لماذا خلق الله كل هذه الصحراوات ؟ هذه الصحراوات الواسعة وهذه الجبال والتلال فى كل قارة من القارات تمثل الهدوء والوحدة ، بعيدا عن صخب المدن ، أليس فى كل هذا إيحاء ، يشير الى الناس بحياة الهدوء؟! ، لقد قضى القديس الأنبا أنطونيوس ثلاثين سنة وقد أغلق على نفسه فى وحدة كاملة ، لا يرى فيها وجه إنسان وفى هذه الوحدة اختبر ثمار السكون ، فى خلوة كاملة مع الله ، وفى مذاقته لحلاوة السكون نصح أولاده فيما بعد ، خوفا عليهم من أن يتبدد سكونهم خارج البرية ، فقال "الراهب فى الدير كالسمكة فى البحر ، لا تحيا خارج مياهه"، لقد وضع هذا القديس أساس الرهبنة الأصيل والنظام الذى وضعه هو الذى بقى أكثر من غيره ، فكان يبنى الراهب من الداخل ، بمحبة الوحدة والسكون ، أكثر مما يبنيه بقوانين صارمة تحفظ طاعته .
أن كل إنسان فى الدنيا ، مهما تعمق فى الحياة الروحية ، محتاج لفترات هدوء ، يجلس فيها مع الله والى نفسه يهدأ بعيدا عن المشغوليات ، وبعيدا عما تجلبه الحواس من أفكار ، وفى هدوء يأخذ من الله وأيضا يفحص ذاته ، لكن هل يستطيع كل إنسان يحيا حياة السكون ؟ يجيب المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث ، ليس كل إنسان يستطيع أن يحيا حياة السكون فى البرية إلا إن كانت له دوافع روحية راسخة كما كان للقديس أنطونيوس ، هذه الدوافع هى الزهد ، بمعنى الموت عن العالم وكل رغباته ، كذلك شجاعة القلب ، بمعنى القلب الذى لا يخاف الوحدة ولا الظلام ولا الوحوش ولا الشياطين ، أن كنتم لا تستطيعون أن تسكنوا الجبال ، فعلى الأقل لا تحرموا أنفسكم من الخلوة والسكون على قدر طاقتكم ولو بضعة أيام كل سنة أو يوما كل أسبوع أو ساعة كل يوم أو بضعة دقائق كل ساعة .. انفضوا ضجيج العالم من آذانكم وغوصوا داخل أنفسكم واكتشفوا فى أية الطرق أنتم سائرون، وماذا على كل منكم أن يفعل ، أجلسوا مع الله خذوا منه معونة .