الأقباط متحدون - الدور التاريخي للكنيسة لحل مشكلة المياه
أخر تحديث ٠٥:٥٤ | الثلاثاء ٤ يونيو ٢٠١٣ |   ٢٧ بشنس ١٧٢٩ ش   |   العدد ٣١٤٧ السنة الثامنة  
إغلاق تصغير

الدور التاريخي للكنيسة لحل مشكلة المياه

بقلم: لطيف شاكر
في عهد المستنصر بالله  الفاطمي  شحت مياه النيل وقلت في المجري المخصص للنهر العظيم وعم القحط نواحي مصر بسبب بناء الأحباش سدود علي النيل في بلادهم منعت تدفق الماء علي مصر .فبعث المستنصر بالبطريرك ميخائيل إلي الحبشة حمله بهدايا للنجاشي حاكم الحبش وتكلم البطريرك مع النجاشي فوافق علي فتح سد كان حائلا دون تدفق مياه النيل, وتحسنت العلاقات مابين مصر والحبشة وجرت مياه النيل بالخير لكل المصريين وانتعشت البلاد وانتشر السلام بين ربوع مصر  وتكرر شح المياه ايام المماليك  وكانوا قساة علي المصريين وأذلوهم ,  وعم الجفاف والقحط في البلاد واضطروا إلي دفع البطريرك للتوسط مع حاكم الحبشة ونجح في حل مشكلة المياه وتدفقت المياه حاملة البركات والنعم بعد القحط الشديد وتكررت نفس المشكلة في عهد محمد علي حاكم مصر عام 1834  وعن طريق البابا بطرس الجاولي تم حل مشكلة المياه وتحسنت العلاقات وازداد الود وعم الرخاء وزادت التنمية في كل المجالات .

وفي عهد سعيد باشا الذي حكم مصر عام  1845 وكان متعصبا للأقباط في أول حكمه وفي عهده كاد يجف مياه النيل وهدد مصر بالعطش والموت,  فبعث الخديوي سعيد بالبابا كيرلس الرابع لحل مشكلة المياه  واستطاع البابا كيرلس بحكمته الرصينة  حل هذه المشكلة التي كانت ستتسبب في  موت الكثيرين عطشا وتبوير الأراضي ونفوق المواشي .

  وهكذا كلما حلت مشكلة  جفاف مياه نهر النيل  وتهديد شعب مصر بالموت عطشا وتحويل خصوبة الأرض إلي  التصحر يلجئون إلي وساطة البابا للتدخل مع حكام اثيوبيا(بلد المنبع) لحل المشكلة وفي كل مرة يستجيب  رئيس الحبشة لكلام بابا الأقباط وتنفرج ازمة الشعب المصري ويخلد إلي الراحة ويعم السلام في أرجاء الوطن . 

 وكانت العلاقات الأثيوبية المصرية في أزهي صورها في عصر الرئيس جمال عبد الناصر لان مصر كانت لديها ورقه مؤثرة أحسن  استخدامها آنذاك وهو  دور الكنيسة المصرية .    فأثيوبيا في ذاك الوقت كانت تابعه للكنيسة الأرثوذكسية المصرية ,وكانت الكنيسة الأم في مصر  ترسم لهم الأساقفة وترسل القساوسة  للعمل في الكنائس الأثيوبية, وكان البابا كيرلس السادس له علاقات شخصيه بالإمبراطور هيلاسلاسى و كثيرا ما كان الرئيس جمال عبد الناصر يوظفها في خدمه المصالح المشتركة ,وكثيرا كان الإمبراطور  يدعو قداسة البابا لافتتاح وتدشين الكنائس في إثيوبيا وكانت الدولة المصرية تؤازر هذا العمل وتشجعه .

وهكذا كانت الكنيسة الوطنية  كدأبها المستمر في خدمة الشعب المصري دون  تفرقة وتساهم بجدية في حل المشاكل  التي تواجه مصر لأنها جزء من مصر  ويعيش الوطن  في  قلب الكنيسة ورعاتها وشعبها.

ولأسباب عديدة  تعقدت  الأمور ودب الفتور بين مصر وإثيوبيا وضعفت العلاقة بين الكنيستين  وتفاقمت مشكلة النيل للاسباب التالية:
اولا : تجاهل الرئيس المخلوع وحكوماته المتعاقبة  أمر إثيوبيا  بعد محاولة اغتيال مبارك في اديس أبابا بيد  نفر من السودانيين, وعلي اثرها ساءت العلاقات بين مصر وإثيوبيا  وتم التعامل مع الأخيرة بأسلوب التكبر والاستعلاء والتهديد ولم تلتفت مصر الي النيل  ومستقبل الايام ,والرهان علي الجيش المصري القادر علي ضرب أي مشروع علي النيل وحتى تركع إثيوبيا ودول حوض النيل  أمام قوة مصر علي الدول الإفريقية  ويذعنوا لرغبة مصر ورئيسها   ولكن دوام الحال من المحال فأثيوبيا الضعيفة صارت بتعضيد البلاد المشاركة في يناء سد النهضة  والتي تملك ترسانات نووية  وأسلحة متقدمة  ,تقف  حائلا دون أي هجوم عسكري أو تخريبي علي إثيوبيا خوفا علي مصالحهم واستثماراتهم .

ثانيا : ان الكنيسة القبطية ليس لها نفس الدور الماضي اواليد الطولي في اثيوبيا  لان الامور تغيرت  فالحكم ليس إمبراطوري ولا يبالي بالأيدلوجية الروحية وباتت الكنيسة الاثيوبية احدي مؤسسات الدولة الخاضعة للحكومة, ولم تعد الشريك الروحي في حكم اثيوبيا ناهيكم عن  علاقة الكنيسة الإثيوبية بالكنيسة المصرية  أخذت شكلا مختلفا عن السابق   وأصبح لإثيوبيا   الآن بطريركا مستقلا  ومجمعا مقدسا يدير شئون الكنيسة  في ظل حكم لايعير للدين اهتماما يذكر , وتحولت البنوة بين الكنيستين إلي أخوة والفرق شاسع بين الطاعة   البنيوية والعلاقة الأخوية .

ولا أظن أن الكنيسة القبطية في قدرتها التأثير علي الكنيسة الإثيوبية وإلزامها بالطاعة أولا لاستقلالها ثانيا لإذعانها لحكم جمهوري له مشاربه  الدنيوية  ومقاصده التنموية  واردته الشعبية فضلا عن المطامع الأجنبية فصار الطريق شائكا والأمور معقدة والحلول ليست علي قدر البطاركة او في  متناول المجامع الكنسية.

ثالثا : لا يوجد في الحقيقة اتفاق بين دول المنبع والمصب على طريقة توزيع مياه النيل أو رصد أحواله أو تقنين سريانه في مختلف الدول. فمعظم الاتفاقيات مع دول الحوض قديمة تمت مع القوى الاستعمارية وفي اطار نظام عالمي راح زمانه. ومن العسير أن يتصور المرء أن تقبل أي حكومة مستقلة أن لا تكون لها سيادة على أنهارها. وقد أبلغت دول المنبع كلا من مصر والسودان في مذكرات عديدة عن رفضها الالتزام بما جاء في المعاهدات والاتفاقيات والمذكرات المتبادلة بين القوى الاستعمارية التي كانت وكيلا عنها وقت توقيعها ودول المصب. ومن الأمثلة على ذلك المذكرة التي أرسلتها  تنزانيا إلى كل من مصر والسودان وبريطانيا سنة 1962 فور اعلان استقلالها، لتبليغهم عدم التزامها بأي تعهد كانت قد قامت به الحكومة البريطاني ينقص من سيادتها على الأنهار أو البحيرات بأرضها، ومن نافل القول :ان اثيوبيا ارسلت  احتجاجا  على بناء السد العالي  في حينه الذي اتخذ قرار بنائه دون التشاور معها او مع دول حوض النيل  في مذكرة سلمت للخارجية المصرية في 23/9/1959 جاء فيها " إن أي دولة نهرية تنوي القيام بانشاءات كبيرة كتلك التي تقوم بها مصر يتوجب عليها بحكم القانون الدولي أن تخطر مقدما الدول النهرية الأخرى وتتشاور معها"

كما اكدت في مذكرة أخرى بتاريخ 8 فبراير 1978 عدم موافقتها على تحويل أي جزء من مياه النيل إلى خارج حوضه تلتها مذكرة أخرى في 5 مايو 1980 تحتج فيها على اعلان رئيس مصر نيته بتحويل جزء من مياه النيل إلى إسرائيل وفي أعقاب هذا الإعلان تم البدء في حفر ترعة السلام بين فارسكور والتبنة.

إذا مالحل.. وكيف الخروج من هذا المأزق الكبير .. لابد من استخدام العقل وإيجاد حلول بديلة وسريعة داخليا وخارجيا , فبالنسبة للداخل   لابد من ترشيد المياه  واعتبار النيل خط  احمر مقدس واحترام حدوده  وعدم تجريفه وتلويثه  وعدم أهانته بالاستخدام السيئ  حتى لايغضب علينا فيشح بمائه ولا يجود  علينا بترياق الحياة  اضافة إلي  الاستفادة بالتقنية الحديثة والتكنولوجيا المائية  المتقدمة  كالبلاد التي لاتملك انهار  مثل السعودية والكويت  أما خارجيا  عن طريق مائدة المفاوضات مع إثيوبيا ودول المنبع مع الأخذ في الاعتبار إظهار النوايا الحسنة و كسب صداقتهم  وتقديم الاقتراحات التي تخدم الطرفين ولصالح دول حوض النيل  وبضمانات دولية .
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter