الأقباط متحدون - هل سيطيح الربيع التركي بأردوغان؟
أخر تحديث ١٠:٣٧ | الثلاثاء ٤ يونيو ٢٠١٣ |   ٢٧ بشنس ١٧٢٩ ش   |   العدد ٣١٤٧ السنة الثامنة  
إغلاق تصغير

هل سيطيح الربيع التركي بأردوغان؟

د.عبدالخالق حسين

وأخيراً وصلت شرارة الربيع العربي إلى تركيا، حيث اجتاحت تظاهرات حاشدة مدينة اسطنبول أولاً، ثم انتشرت إلى مدن تركية أخرى مثل أنقرة وأنطاكيا وأزمير وغيرها، احتجاجا (كما بدى في أول الأمر) على مشروع حكومي يقضي بتحويل حديقة تاريخية تدعى (غيزي بارك) إلى مركز ثقافي وتجاري، ولكن المشكلة أكبر من ذلك إذ تبين أن هناك أسباباً متراكمة أخرى سنأتي على ذكرها لاحقاً.

وقد واجهت حكومة أردوغان التظاهرات السلمية بالعنف من قبل قوات الشرطة، مما تسبب في اصابة العشرات خلال اشتباكات وقعت بين المتظاهرين وقوات الأمن، تطلب إدخال العشرات من المصابين إلى المستشفيات، واعتقال أكثر من ألف وسبعمائة. ولحد كتابة هذه السطور (4/6/2013) دخلت الاحتجاجات يومها الخامس، وقتل شخصان، كما و"أعلن اتحاد نقابات القطاع العام، وهو من أكبر اتحادات العمال في تركيا، عن إضراب لمدة يومين في إطار دعمه للاحتجاجات الشعبية المناهضة للحكومة. ويشمل الإضراب المقرر الثلاثاء والأربعاء المدارس والجامعات وكافة المؤسسات الحكومية... ويتهم الإتحاد الحكومة بأنها تقترف "إرهاب الدولة". ولا تزال الاشتباكات مستمرة بين المتظاهرين والشرطة لليوم الخامس على التوالي." ويطالب المحتجون باستقالة رئيس الوزراء التركي أردوغان، الذي ندد في وقت سابق بالمتظاهرين، واعتبرهم مناوئين للديمقراطية. واستخدمت قوات الأمن خراطيم المياه وعشرات من قذائف الغاز المسيل للدموع للتصدي لحشود المتظاهرين. وتحولت المساجد والجامعات والمحال التجارية إلى مستشفيات مؤقتة لمعالجة جرحى الاشتباكات" (تقارير البي بي سي) (روابط: 1 و2 و3 و4 في الهامش).

والسؤال الملح هو: هل وصل الربيع العربي إلى تركيا؟
فمعظم تعليقات المعلقين السياسيين ومراسلي وكالات الأنباء، تشير إلى أن التظاهرات التي اجتاحت المدن التركية هي ليست احتجاجاً على "تحويل حديقة تاريخية تدعى (غيزي بارك) إلى مركز ثقافي وتجاري" فحسب، وإنما كانت هناك تراكمات تغلي تحت السطح، وتذمر شعبي واسع بصمت، وما قضية تغيير حديقة تاريخية في اسطنبول إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، والشرارة التي أشعلت فتيل الانتفاضة، إذ هناك أسباب كثيرة. لقد تمادت حكومة أردوغان في الاستبداد، والتضييق على الحريات الشخصية، وتقليص العلمانية، وتطبيق أحكام دينية تدريجياً، رغم وعوده في البداية أنه حريص على العلمانية والحريات الشخصية. كذلك زجت حكومة أردوغان المئات من الضباط والصحفيين والكتاب العلمانيين في المعتقلات بتهمة التآمر على النظام الديمقراطي!! وفصل الكثير من القضاة وتعيين المتعاطفين مع أيديولوجية حزبه مكانهم، الأمر الذي بات يهدد النظام العلماني الذي تشرب الشعب التركي بثقاته منذ مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة وإلى الآن، مع التزامه بتعاليم الإسلام المعتدل كدين وليس كسياسة لفرض نظام ثيوقراطي قروسطي.
 
كذلك، استغل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الربيع العربي، فطرح نفسه مع أمير دويلة قطر، أنه من أنصار الديمقراطية في البلاد العربية، ويدعو إلى تصالح الإسلام السياسي مع الديمقراطية والحداثة. والمضحك المبكي أن أردوغان وأمير قطر، يريدان تحقيق الديمقراطية في سوريا والعراق على أيدي تنظيمات تابعة للقاعدة مثل "جبهة النصرة" في سوريا، وفلول البعث والقاعدة في العراق، وهي تنظيمات معروفة بعدائها الشديد للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. كما وطرح أردوغان نفسه كوريث شرعي لسلاطين الدولة العثمانية، والوصي الملكف لحماية أهل السنة في بلاد الشام والعراق.

وبعد نجاحات نسبية في سياساته الداخلية والخارجية، أصيب أردوغان بالغرور، فاعقتد أنه سياسي محنك يضع معاوية وماكيافيللي في جيبه. إذ نتذكر الغضبة المسرحية التي افتعلها قبل سنوات مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرز في لقاء دافوس، وخرج من اللقاء احتجاجاً على مدير الندوة، أنه لم يمنحه وقتاً كافياً لإلقاء مداخلته معادلاً لما منحه للرئيس الإسرائيلي. وعند عودته إلى بلاده استقبلته جماهير حزبه في مطار أنقرة استقبال الأبطال الفاتحين! بينما نعرف حقيقة العلاقة الودية الاستراتيجية بين تركيا وإسرائيل. ومن ثم طرح أردوغان نفسه المدافع الشرعي عن حقوق الشعب الفلسطيني، ولعبته في إرسال المساعدات عن طريق البحر لسكان غزة، وتعرض القوات الإسرائيلية لها. كذلك رفعه شعار الإسلام المعتدل، وغيره من الوسائل التي استبشر الجميع بها خيراً، فصار أردوغان مثالاً يقتدى به من قبل الديمقراطيين العرب. وأخيراً تبين أن كل هذه الأساليب ما هي إلا لكسب الوقت، حيث كشف أردوغان عن وجهه الحقيقي تدريجياً كأي إسلامي أخواني.

لقد كشف أردوغان عن خبثه في موقفه من العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية نهاية عام 2011، فراح يلعب بالورقة الطائفية، ويدعم الفئات المعارضة للعملية السياسية، وخاصة تلك التي تستخدم العنف، بدأ بإطلاق تصريحات بذيئة ضد رئيس الوزراء العراقي لا تليق بمسؤول كبير يحترم نفسه، وتعاونه مع جميع الأطراف المعادية للحكومة المركزية في بغداد. كما وجعل من بلاده ملجأً للإرهابيين العراقيين الهاربين من وجه العدالة من أمثال الإرهابي طارق الهاشمي وعدنان الدليمي، وملتقى لعقد المؤتمرات للتآمر على الحكومة العراقية المنتخبة... وبلغ تدخل أردوغان السافر في الشأن العراقي ودعمه لأعداء الديمقراطية إلى حد أن رفع المتظاهرون في ساحات الاعتصامات في المناطق الغربية صوره وأعلام تركيا، إلى جانب صور وأعلام صدام حسين، بل وخاطبه أحد خطباء الاعتصامات في الرمادي بحفيد السلطان محمد الفاتح، وناشده بالتوجه إلى العراق لتحريره من "الاحتلال الصفوي".

من نافلة القول أن اللعب بنار الطائفية خطر كبير، و تركيا الأردوغانية ليست محصنة ضد إشعال الفتنة الطائفية. فنحو 30% من الشعب التركي هم بكتاشيون (علويون)، أي من نفس مذهب العلويين في سوريا، ولا شك أنهم يتعاطفون مع نظرائهم في سوريا وما يتعرضون لحرب الإبادة بسبب فتاوى يصدرها شيوخ الوهابية، وعلى رأسهم يوسف القرضاوي الذي أصدر فتوى أحل بها قتل (النصيرية) ويقصد (المسلمين العلويين)، ووصفهم بأنهم أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى!. ولذلك فالذين يلعبون بالنار الطائفية في العراق وسوريا، يجب أن يعلموا أنهم يجلبون البلاء على أنفسهم وعلى شعوبهم.

لقد حذرنا مراراً أن الديمقراطية لا يمكن إقامتها عن طريق فلول البعث والقاعدة، وأن هذه الحرب المشتعلة في سوريا والتي صرف عليها أمير دويلة قطر نحو ثلاثة مليارات دولار حسب ما جاء بتقرير في صحيفة (فايننشال تايمز) اللندنية، تحت عنوان: "قطر أنفقت نحو ثلاثة مليارات الدولار في العامين الماضيين لتمويل الانتفاضة السورية"(4).

نؤكد مرة أخرى أن هذه الحرب التي تدور رحاها في سوريا، والتي يخطط لها في العراق أيضاً، ليست من أجل الديمقراطية. وقد تبين الآن أن الغرض من إسقاط نظام بشار الأسد، هو لأسباب عديدة مختلفة ليست الديمقراطية من بينها، فلكل جهة متورطة بهذه الحرب هدفها الخاص بها، لا يستفيد منها أي شعب في المنطقة، ناهيك عن الشعب السوري، ومنها مثلاً:
أولاً، مد أنابيب الغاز القطري إلى أوربا و إسرائيل عبر العراق وسوريا،
ثانياً، الحرب في سوريا والعراق بالوكالة بين السعودية والدول الخليجية من جهة، وبين إيران وحزب الله والعراق من جهة أخرى.
ثالثاً، إشعال حرب طائفية في المنطقة لصالح الوهابية السعودية والقطرية، وإسرائيل،
رابعاً، إسقاط نظام بشار الأسد كخطوة أولى لعزل الحكومة الإيرانية تمهيداً لإسقاطها وتدمير برنامجها النووي، على غرار إسقاط حكم البعث الصدامي، والذي ما كان ممكناً إلا بعد عزله إقليمياً وعالمياً.

ولكن للتاريخ منطقه، إذ لا يصح إلا الصحيح، و"تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن". فكما حذرنا، أن من يشعل الحرائق في بيت جاره لا بد وأن تصل النيران إلى بيته، وأفضل مثال هو بشار الأسد. وقد شارك أردوغان، مع حليفة أمير قطر، بنشاط وخبث في إشعال الحرائق في سوريا والعراق، والآن وصل الحريق إلى بيته. وهاهو السلطان أردوغان "حفيد محمد الفاتح" يواجه غضبة الشعب التركي، ولا شك أنها انتفاضة الربيع التركي على غرار انتفاضات الربيع العربي التي أطاحت بعدد من الأنظمة العربية الجائرة.

والجدير بالذكر، أن أردوغان وصف المحتجين في بلاده قائلا: "كل الطرق ماعدا صناديق الاقتراع تظل غير ديموقراطية"، أي أنه لا يتأثر بالاحتجاجات وإنما الحكم لصناديق الانتخابات. ولكن أردوغان هذا أنكر حكم الديمقراطية وصناديق الاقتراع في العراق، إذ وقف دائماً مع التظاهرات والاعتصامات الطائفية، أعداء الديمقراطية، ونظم لقادتها المؤتمرات للإطاحة بنظام منتخب من الشعب العراقي ديمقراطياً. وهذه هي إزدواجية أردوغان. (4 و5و6).

فهل سيطيح الربيع التركي بأردوغان؟
لم يبق من حكمه إلا فترة قصيرة، فالانتخابات القادمة قريبة، وبالتأكيد ستشغله هذه التظاهرات عن تدخلاته السافرة في شؤون دول الجوار، و هي بداية النهاية لمرحلة أردوغان وحزبه الإسلامي الأخواني "المعتدل"، ومن المرجح أن حزبه سيفشل في الانتخابات القادمة إن لم يطاح به بهذه الانتفاضة.
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter