بقلم : شريف إسماعيل

 تابعت بإمعان كلمة الرئيس أوباما بالأمم المتحدة  والتي أكد  فيها علي عدة أمور قرأها البعض علي أنها مؤشرات طيبة  وايجابية طرأت علي موقف واشنطن  تجاه مصر، واظهر تراجع عن مواقفها العدائية ضد ثورة ال٣٠ من يونيو، والبعض الأخر رأى أن الولايات المتحدة قد قبلت بالأمر الواقع  وأنها ستتعامل مع الواقع الذي فرضية الثورة عليها.

إلا  انني في الحقيقة آري ان هناك مغالطة كبيرة  في هذا المشهد، فعندما نتعامل مع الموقف الأمريكي بحسن النوايا أو ان  نتصور أن الإدارة في بصدد فتح صفحة جديدة مع مصر، نكون قد غلبنا عواطفنا علي الواقع السياسي،  و نكون وقعنا في خطأ كبير،  فيجب أن ننظر هنا الي كلمة الرئيس الأمريكي بتجرد كامل وبعيدا عن العاطفة أو ما نتمناه، فقد استعرض أوباما في خطابة تسلسل الأحداث التي شاهدتها مصر علي مدار الثورتين،  وتحدث عن أخطاء الرئيس مرسي، وعن الغضبة الشعبية ضده، والي تدخل الجيش لأسقط هذا النظام، مؤكدا علي استعداد واشنطن التعامل مع الواقع الحالي،  ومتابعة تنفيذ خارطة الطريق التي أعلن عنها، مشيرا و بشكل واضح وصريح  الي أن واشنطن تتعامل مع الواقع وفق مصالحها السياسية و قد حددها بوضوح  بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط بمحددات  هي: "الحفاظ علي اتفاقية السلام مع إسرائيل و نشر الديمقراطية  و محاربة الإرهاب".

ومن هنا يلزم علينا قراءة الصورة من جوانبها المختلف حتي نراها بوضوح، فلجنة العلاقات الأمريكية ومن خلال جلسة استماع حول الأوضاع في مصر، مع السفيرة السابقة بمصر أن باترسون والمسئولة عن ملف الشرق الأدنى، أكدت أن ما حدث في مصر كان انقلاب عسكري أطاح برئيس منتخب بشكل ديمقراطي، وأوصت بضرورة استمرار الضغط علي مصر اقتصاديا و سياسيا من أجل عودة الشرعية وضمان خروج المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي، وحازت توصيات باترسون قبول أعضاء لجنة الاستماع و أوصوا بتنفيذها، ومن جانب أخر لا يمكن إغفاله، وضوح المواقف العدائية لأغلبية أعضاء الكونجرس، وعدم قناعتهم بشرعية موقف الثورة المصرية، أما بسبب مواقفهم الداعمة لإسرائيل أو بسبب جهلهم بحقيقة الأمور، بسبب غياب شفافية الإدارة في عرض الحقائق علي الكونجرس وعلي الشعب الأمريكي، ولا يمكن أن نقر بجهل الإدارة بحقيقة الأمور مع وجود أكثر من١٥٠ دبلوماسي أمريكي علي الأراضي المصرية ،هذا  فضلا  عن مواقف الأعضاء المتشددين  من الصقور المحسوبين علي إسرائيل ولهم مواقف معلنة ضد مصر، والذين أعلنوا  بوضوح بأنهم بصدد إصدار تشريع يلزم الإدارة بوقف المعونة لمصر، في ظل تأييد ودعم لهذه المواقف من جماعات  الضغط الصهيونية بأمريكا، وذلك لأسباب عدة أهمها فشل الاتفاقيات التي أبرمتها مرسي  مع إسرائيل سواء بالنسبة للهدنة طويلة الأمد بين حماس وإسرائيل بضمانة مصرية، أو تحركات مرسي السياسية والقرارات التي أتخذها بشأن استيعاب مشكلة غزة والتي تقلق تل أبيب، وأمور ووعود كثيرة ليست محل البحث الآن، هذا بالإضافة الي عدة عوامل  مؤثرة هي في حقيقتها مثبتة في مخيلة صانع القرار الأمريكي  وفي عقلة الباطن ويمكن  إيضاحها  كالآتي :
- الموقف من شخصية "الزعيم"، فقد عانى الغرب من شخصية الزعيم الثوري  والقائد والذي تلقفته الجماهير والتفت حوله، وعانى الغرب من حقبة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كانت سياساته  ذكريات أليمه للغرب، ومثلت حجرعثرة في سياسات الغرب ليس فقط بالمنطقة العربية بل تأثيرها كان ممتدا تجاه الشرق والغرب، وقد أحيي ناصر القومية العربية و أصبحت سياساته تهدد مصالح الغرب في كل مكان بما في ذلك  مصالحهم في دول الخليج والسيطرة علي النفط.

وفى تطور مفاجئ  وبسبب ثورة يونيو فوجئ الغرب بظهور شخصية قائد كان بمثابة المنقذ لشعب مصر وضعوا صورته بجانب الرئيس عبد الناصر، بل بدأت ألعامه توزيع صورة بالشوارع، ويتغني الشعب باسمة، وهو ما أعاد للغرب صورة  ذهنية كرهها، وذكريات أليمة عانى منها لفترات طويلة.

الولايات المتحدة دائماً ما كانت تسعي لانتقال سلطة الحكم  في مصر الي شخصية مدنية ،بعيدة عن المؤسسة العسكرية، فهم يرون أن استمرار حكم شخصية عسكرية في حكم مصر، سوف تؤثر بشكل مباشر علي مسار الديمقراطية وانتقال الحكم بشكل سلس عبر الصندوق الانتخابي

وهناك تصور امريكى  لمبدأ تداول حكم مصر داخل المؤسسة العسكرية ،  واعتبارات ينظر إليها الغرب في شخصية القائد العسكري وسماته الشخصية وعقيدته العسكرية والمناخ الذي نشأ فيه، فكل هذه الأمور تصنع قائد لا تتناسب مواصفاته مع قياسات الغرب.
وهنا تجدر الإشارة الي ان أمريكا كانت تبارك مشروع التوريث  في عهد الرئيس الأسبق وتتمشي معه، طمعا في كسر تلك المنظومة وبما يضمن ان يأتي علي سدة حكم مصر شخصية مدنية ،ليس لها خلفية عسكرية .
أن بتولي شخصية عسكرية  الحكم سيتأكد  ظنون الغرب من نظرية المؤامرة وأن المؤسسة العسكرية أطاحت بالرئيس مرسي، طمعا في استرداد الحكم، وهو ما يعني  استمرار دور عسكر ثورة ٢٣ يوليو، وبالتالي تدخل أمال الغرب من التخلص من المؤسسة العسكرية داخل دائرة مفرغة، يصعب الاستمرار في التعامل معها.

مكانة مصر في الشرق الأوسط  و تأثيرها المباشر في محيطا العربي، فأي تغير في الواقع السياسي المصري  سوف يؤثر علي ثورات الربيع العربي والمسار السياسي التي خططت لة واشنطن و الغرب.

كل هذه الملابسات يجب أن نضعها داخل أطار خطاب الرئيس الأمريكي براك أوباما، توؤكد ان ما يحكم سياسات الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط هي  المصالح و أمن إسرائيل، وهو ما يمكن اعتباره مؤشر مبطن بأن واشنطن لن تستسلم لإرادة  الشعب المصري، وسوف تمارس كل الأساليب و الضغوط من أجل ضمان مصالحها و ضمان  التزام المؤسسة العسكرية بتنفيذ خارطة الطريق، و التأكد من ابتعادها عن الحياة السياسية، علما بأن التحركات والأحاديث التي تجري بالشارع والمبادرات التي تعلنها بعض القوي السياسية و بشكل عفوي للمطالبة بالفريق أول السيسي لتولي مسئولية حكم مصر، هي تحركات مرصودة من الغرب وتسبب  قلق  كبير  لهم وتزيد من شكوك الولايات  المتحدة وإسرائيل في نوايا المؤسسة العسكرية، بالرغم من تأكيد وزير الدفاع في أكثر من مناسبة أنة لن يترشح لرئاسة الدولة.
خلاصة المشهد ان الرئيس أوباما قصد في خطابة عدة رسائل مبطنة مفادها  أن واشنطن لن تغلب إلا مصالحها، وان مصر ستظل مستهدفة  وحتي انتهاء المشهد السياسي الحالي و استقرار الأوضاع السياسية وفق خارطة الطريق، وستتعمد تأجيل التعامل مع موقف مصر و حتي تنتهي من المشهد السوري و الوقوف علي رؤية و واضحة من الموقف الايراني، وهو ما يدفعنا للتعامل مع هذه التحديات، وفق مصلحنا أولا ووفق منظورنا الوطني، فالشعب سيد قراره و لن يرضي إلا بخياراته، ويجب إلا نراهن علي أن الغرب سوف يدعمنا أو سيدعم سياسة تهدف أعادة  الاستقرار لمصر أو بقائها قوية تتحكم في مقدرتها أو  ان تكون سيدة قرارها ، فمصالحنا مع الغرب متضاربة ، والمهم مصلحة الوطن .