تاريخنا لا يعرف فى الخصومة سوى القتل والذبح. أقام أجدادنا الخلافة على جماجم العباد. نقلوا الحكم والخلافة على جسر من الأشلاء.
«القتل حرقاً، أو غرقاً فى صناديق من حديد. قطع الرؤوس ثم صلب الجثة بلا رأس. حمل الرؤوس على أسنّة الرماح. خلع الأظافر. الاعتداء الجنسى على الرجال أمام أبنائهم. القتل على الخازوق. عصر أعضاء الجسم. التمثيل بالجثث وسحلها فى الشوارع»، كلها ألوان من التعذيب فى تاريخنا يتم نقلها كما هى دون تصرف أو تعديل. يكفى الدواعش أن يفتحوا صفحة التعذيب فى كتاب التاريخ ويجهزوا مقادير الطبخة الشهية، ويقلبوها على النار حتى تنضج الذبيحة. هذا قليل من كثير. ونود فى هذا المقال استعراض ألوان من التعذيب فى صفحات تاريخنا لم يفتحها الدواعش بعد.
أولها، قطع الألسنة: أول من ابتدعها الأمويون. زياد بن أبيه والى معاوية بن أبى سفيان على الكوفة والبصرة، كان يأمر بقطع ألسنة معارضيه. أشهر من قطع زياد لسانه رشيد الهجرى (رشيد المبتلى)، أمر بقطع لسانه بعد أن قطع أطرافه. ولقد سار الحجاج بن يوسف الثقفى على خطى معلمه زياد بن أبيه، وتفوق عليه فلم يكتف بقطع الألسنة فقط، بل زاد عليه بقطع الرقاب كاملة.
ثانيها: الدفن حياً وتقطيع الأوصال: أول من ابتدعها العباسيون. أبوجعفر المنصور، الخليفة الثانى، تخلص من رفاق ثورته الذين ناصروه وقاتلوا الأمويين معه وهم (الشيعة، والخوارج، والمعتزلة، والعلويون) بدفنهم أحياء، وزاد من بطشه بتقطيع الأطراف (الأيدى والأرجل) قطعة قطعة وليس مرة واحدة، وكان يأمر جنوده باستخدام سكاكين غير حادة فى تقطيع الأوصال إمعاناً فى التعذيب.
ثالثها، سلخ الجلد حياً. أول من ابتدعها العباسيون. الخليفة المعتضد آخر خلفائهم، وأشهرهم فى ابتكار ألوان شتى من التعذيب والتنكيل بخصومه. هو زوج قطر الندى ابنة خمارويه وحفيدة أحمد بن طولون (أمير مصر ومؤسس الدولة الطولونية) وكان يسلخ جلود من خرجوا عليه سلخ الشاة وهم أحياء. أول ضحاياه محمد بن عبادة أحد قادة الخوارج، وآخر ضحاياه ابن عطاش قائد قلعة أصفهان الإسماعيلية (أسسها حسن الصباح مؤسس طائفة الإسماعيلية أو الباطنية أو الحشاشين بعد أن ترك مصر وسافر إلى أصفهان وأنشأ القلعة المذكورة).
رابعها، حرق الأطراف بعد تقطيعها أمام صاحبها وهو حى حتى الموت: أول من ابتدعها العباسيون. سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب والى البصرة، فى عهد الخليفة الثانى أبوجعفر المنصور العباسى. أشهر ضحاياه الشاعر ابن المقفع (أبو محمد عبدالله بن المقفع)، وتسميته ابن المقفع جاءت من أن أباه اتُهم بالسرقة فى عهد الحجاج بن يوسف الثقفى والى الأمويين على العراق، فضربه على أصابعه حتى تورمت (وتفقعت) فسُمى بعدها بابن المقفع. ولقد أمر أبوجعفر واليه سفيان بن معاوية بقطع أطرافه قطعة قطعة ورميها للشىّ فى النار أمام عينيه حتى مات ابن المقفع، فقاموا بصلبه ثلاثة أيام بعد موته، ثم دفن بقاياه بعد ذلك، والقصة أن ابن المقفع كتب كتاباً اسمه (الأدب الكبير) أغضب به المنصور وكان كتابه عن الحاكم كيف يكون منصفاً، والرعية كيف تكون طائعة.
خامسها، الشىّ حياً على نار هادئة: أول من ابتدعها الأمويون الذين لا يضاهيهم فى فنون التعذيب سوى الخلفاء العباسيين (وللأمانة يُستثنى من خلفاء بنى أمية فى التعذيب الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز، فلم يأمر فى مدة خلافته القصيرة (قالوا أقل من ثلاثين شهراً) بالتعذيب مرة واحدة. لكنهم قالوا: فى فترة توليه إمارة المدينة فى عهد الوليد بن عبدالملك بن مروان أمر بتعذيب خبيب بن عبدالله بن الزبير بن العوام بصب الماء البارد على جروحه بعد الضرب بالسوط بأمر من الخليفة الوليد. قالوا أيضاً: إن عمر ندم على ذلك، وظل يتوب طوال عمره عليها وكان يقول لمن يعده ويبشره بالجنة: «وكيف بخبيب؟». والشىّ حياً، يقيد الضحية على خشب مقيد اليدين والرجلين ويدار على النار للشواء كما تشوى الشاة، وكان الخلفاء يأمرون بأن تكون النار هادئة إمعاناً فى التعذيب، وأشهر الضحايا محمد بن الحسن آخر الثائرين فى ثورة الزنوج، شوى على نار هادئة فى عهد المعتضد الخليفة العباسى.
سادسها، النفخ بالنمل: أول من ابتدعها الأمويون. يُحقن الرجل من دبره بالنمل نفخاً، وللنمل القدرة على الحركة داخل الجسم لفترة طويلة، ولقد نفذها عمر بن هبيرة والى العراق فى العهد الأموى فى والى خراسان سعيد بن عمر الحرشى، حين استدعاه إلى بغداد لقتله، فلما استشار مساعديه فى قتله، أشاروا عليه بتعذيبه بالنمل وقالوا له: «لن يموت من التعذيب لكنه لن يفلح هذا الرجل بعدها أبداً». هذه ألوان من التعذيب لا يتسع المجال للكثير منها بعضها مخجل ومؤسف. الدواعش لا يأتون بجديد. يحمل تراثنا ذبحاً كما يذبحون، ويحمل حرقاً وغرقاً كما يحرقون ويُغرقون. فلا تخجلوا من الدواعش فقط، هناك فى تاريخنا ما تغلق عنه العيون، وتزكم منه الأنوف، وتبكى من هول ما صنعناه ببعضنا العيون، وتحتار فى فهمه العقول. سيقول قائل: إن ألوان التعذيب كانت منتشرة فى أرجاء المعمورة لتصفية الخصوم أو المارقين. وأقول: مقبول هذا فى توطيد حكم البشر، لكنه غير مقبول لتوطيد حكم الله.(يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ والله أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ).
نقلا عن الأخبار