العشم المصرى السعودى!
مقالات مختارة | د. محمود خليل
الثلاثاء ٦ ديسمبر ٢٠١٦
العشم الزائد عن الحد يكاد يكون العامل المفسّر للأزمة الحالية بين كل من مصر والسعودية، مصر تعشمت فى المملكة بعد 30 يونيو 2013 بصورة كبيرة، ولا يستطيع أحد أن ينكر أن المملكة كانت عند حسن ظن السلطة فى مصر بها فأعطت بسخاء، ومنحت مصر عدة مليارات من الدولارات مكّنتها من ترميم أوضاعها فى وقت توقفت فيه المصادر التقليدية التى نعتمد عليها فى الحصول على العملة الصعبة. ومن بعد جاء دور العشم السعودى فى مصر، ظهر مرة فيما يتعلق بمساندة الدخول البرى فى حرب المملكة فى اليمن، ومرة فى الملف السورى، لكننى أجد أنه تجلى بصورة صارخة فى موضوع جزيرتى تيران وصنافير. المملكة فى تقديرى تجاوزت عن موقف السلطة من مساندتها برياً فى اليمن، وظنى أنها لم تكترث كثيراً بالموقف المصرى من الأحداث فى سوريا، لأنها تعلم أن الملف السورى أصبح يدار من خارج الإقليم العربى. موضوع تيران وصنافير -كما قدر العديد من المراقبين- يمثل السبب الرئيسى للغضب السعودى على مصر.
إذن تيران وصنافير هما موضوع الأزمة فى العلاقات المصرية - السعودية، من وجهة نظرى أجد أن أخطاء عديدة ظهرت فى تقدير الطرفين لحجم خطورة هذا الموضوع، وأن هناك قدراً لا بأس به من عدم الدقة سيطر على أسلوب إدارتهما له. يعلم كل من صانعى القرار المصرى والسعودى مدى حساسية المصريين فى أى موضوع يتعلق بالأرض، ومنذ اللحظة الأولى للإعلان عن هذا الموضوع انفجر كثيرون بالغضب، وتظاهر شباب فى الشوارع، ودفعوا من حريتهم ثمناً للتمسك بمصرية الجزيرتين، وبادر آخرون، وعلى رأسهم المحامى خالد على، إلى اختصام الحكومة قضائياً، وحكم القضاء الإدارى بوقف تنفيذ هذا الكلام، نعم الحكومة المصرية ما زالت تحلم بقبول طعنها ووقف تنفيذ الحكم، لكن هناك بعد ذلك محكمة دستورية، وهناك نصوص واضحة فى الدستور المصرى ستحول دون تمرير اتفاقية التنازل، وحتى مجلس نوابنا المهادن، ليس بمكنته أن يتخذ قراراً مهادناً فى موضوع بهذا المستوى من الحساسية، سوف يكتب فى تاريخ كل عضو من الجالسين على مقاعده أنه شارك فيه.
كان من الواجب أن يستوعب الطرفان أن المسألة ليست سهلة، وأن أراضى الدول لا يصح التعامل معها بمنطق العشم، وبفكرة أن الكبير يستطيع أن يمنح الأشياء بكلمة منه. هذا الكلام إذا صح فى المملكة التى نشأت السياسة فيها نشأة قبلية، فإنه لا يصح فى مصر الدولة التى يتمتع فيها شخص الرئيس بما يليق به من احترام، من منطلق احترام الأغلبية التى اختارته، ولكن فى الوقت نفسه هناك مؤسسات لها كلمتها التى تستطيع أن توقف قرارات الرئيس أو الحكومة التى أتى بها رئيس الدولة. العشم لا يشكل قاعدة موضوعية فى إدارة العلاقات بين الدول، وإصرار أى طرف على الاستناد إليه فى إرضاء أو معاقبة طرف آخر فات زمانه. نحن نعيش زمناً مختلفاً.. خير للجميع أن يفهموا ذلك. مصر قبل ثورة يناير غير مصر بعدها، ليت الجميع يستوعبون هذه الحقيقة حتى لا يزجوا بأنفسهم فى المزيد من المآزق!
نقلا عن الوطن