فرح أو عزاء: منى «غسالة مواعين» ولا «مد الإيد»
منوعات | الوطن
الثلاثاء ٦ ديسمبر ٢٠١٦
أمام بوابة حديدية يأكل أطرافها الصدأ، وسور طويل من حجارة تستند إليه بظهرها، تجلس الفتاة الصغيرة تحاصرها أوانى طعام كثيرة، بعد انقضاء ليلة طويلة لفرح أو عزاء داخل منطقتها، تنهمك كعادتها فى غسلها بعناية شديدة مقابل بضعة جنيهات تحصل عليها مع نهاية مهمتها بعد عناء طويل، إلا أن ضحكتها تعطى للمكان بهجة كبيرة رغم حياتها البائسة.
منى محمد بيومى، الفتاة التى لم تكمل عامها الـ13، توفى الوالدان وتركا 3 بنات فى مراحل عمرية مختلفة كانت هى أوسطهن. ألقيت على كاهلها مسئولية لم تكن تنتظرها فى هذه السن المبكرة، فجأة وجدت نفسها مسئولة عن شقيقتيها، ليس لأنها الأكبر سناً، لكن لأنها الوحيدة التى لم يُصبها المرض «الوحش»، حسب وصفها، فى إشارة إلى مرض السرطان، الذى أصاب الوالدين وكان سبب وفاتهما، وانتقل بالوراثة إلى الفتاتين: «الحياة مش كلها حلوة ولا كلها وحشة.. بس لازم نرضى، على كلام أبويا الله يرحمه». رغم نحافتها، وضعف تكوينها الجسمانى الذى يبدو عليها، تؤدى عملها فى نشاط شديد، تغسل الأوانى بكميات هائلة فى اليوم، قوة لا يتوقعها من ينظر إليها للوهلة الأولى، إلا أهالى الحوامدية الذين اعتادوا على ذلك: «كتر الشغل بيعلم التحمل، وأمى كانت دايماً تقول لى خليكى راجل، والرجولة مش بس للرجالة، فيه بنات وستات بـ100 راجل، وأنا باعتبر نفسى منهم، والناس كلها عرفانى كويس، من وانا عندى 10 سنين وأنا باغسل مواعين أى عزاء أو فرح فى المنطقة، وباخد على الحلة الكبيرة 3 جنيه والصغيرة جنيه والطبق ربع جنيه والصوانى على حسب حجمها، وباخليهم يلمعوا ويبقوا زى الفل ومنورين».
مهنة غسيل الأوانى التى اختارتها «منى» كانت بالنسبة لها بديلاً عن التسول، حسب وصفها: «أحسن ما أمد إيدى وأشحت، الحمد لله ربنا عافانى من المرض الوحش، وعافانى من اللف فى الشوارع أو المشى الحرام»، سعيدة بالدور الذى تقوم به، والمهنة التى ترابط عليها على مدار ساعات طويلة، ولا تتمنى أى شىء فى دنياها البسيطة إلا أن تعيش وسط شقيقتيها فى أمان وسلام: «بناكل بالحلال، واخواتى محتاجين ليا، وربنا قادر يخلينى أكفيهم من عرقى علشان مانحتاجش لحد، لأن اخواتى هما اللى ليا فى الدنيا».