الأقباط متحدون - أعياد وعادات في الذاكرة اليهودية المغربية
أخر تحديث ٠٠:٥٤ | الأحد ٢ فبراير ٢٠١٤ | طوبة ١٧٣٠ ش ٢٥ | العدد ٣٠٨٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أعياد وعادات في الذاكرة اليهودية المغربية

بقلم : عساسي عبد الحميد

 تؤرخ الأعياد اليهودية لأحداث في غاية الأهمية عاشها الشعب العبراني طيلة تاريخه منذ خروج أبينا ﺇبراهيم من بلدته " أور " جنوبي العراق في اتجاه كنعان و تشكل هذه المناسبات ﺇرثا ثقافيا و دينيا يطبع حياة اليهود الروحية؛ و يجب التوضيح أن رزنامة الأعياد عند اليهود تتبع الدورة القمرية و لهذا لا يمكن و ضع ما يناسبها في التقويم " الكريكوري" الذي يتبع دورة الشمس و من أجل المطابقة عمد رجال الدين على إضافة شهر كل ثلاثة سنوات بعد شهر آذار العبري( 30 يوما ) فيسمى بآذار الثاني(29 يوما ) لتكون السنة الكبيسة مكونة عندهم من 13 شهرا 

 
و ككل يهود المعمورة يحتفل يهود المغرب بالأعياد المتعارف عليها مع خصوصيات واضحة تميزهم عن باقي اليهود. 
 
* عيد الفصح 
عند قدوم الربيع في الخامس عشر من شهر" نيسان" العبري يحل عيد له مكانة و قدسية لدى يهودنا و يتعلق الأمر بعيد الفصح و هو يؤرخ لمحطة من المحطات الهامة التي التصقت و ترسبت بعمق في الذاكرة و الوجدان اليهودي ألا وهي خلاص بني ﺇسرائيل و انعتاقهم من براثن العبودية و قسوتها الجائرة في أرض" مصراييم "على يد موسى و أخيه هارون ابني عمران ﺇنه تذكار للحرية و الخلاص وهو كذالك وعد بالحصاد الجيد و القطاف الوفير و نعم الله و خيراته الكثيرة لأن( يهوه ) لن يتخل عن فتاه ﺇسرائيل و سيهب في الوقت العصيب ليفتح له الطرقات و لو في جوف البحار العميقة... و يفجر له الماء الزلال و لو في قلب البيداء السحيقة... وسيجود عليه حتما و يمد له يده الكريمة ؛ عند كل كبوة أو ضائقة ... و سيطعمه من موائد السماء الكثيرة في وقت الجوع و الشدة مٌنًا و سلوى .....وفي المغرب و قبل حلول الفصح بأيام تبدأ الأمهات وأصحاب المحلات بعمليات التنظيف و ﺇزالة كل ( حاميتس ) أي كل مادة تتوفر على خميرة ثم يتم حرق كل قطعة خبز و في عيد الفصح يتلاقى الأهل و المعارف حول الموائد لتلاوة صلاة ( السيدير ) حيث يتذكر الجميع المآسي و الأحزان التي مر بها شعب الرب في مصر و مرارة العبودية و الحرمان التي ذاقها لسنين عديدة ﺇلى أن تفكر الرب شعبه فوهبه قائدا ملهما مسوقا بوحي الله و كلامه فاستطاع هذا القائد أن يضعه على طريق الأمل و الرجاء و أن يريه شمس الحرية و الكرامة؛ في المغرب مثلا تقرأ ( الهاجادا ) كاملة و هذه نماذج منها بالدارجة المغربية مرفوقة بكلمات عبرية عندما يتم كسر فطير الفصح الغير المختمر( ماتسا ) يتلى هذا النص ( هاكذا قسم الله البحر علا طناش لطريق مليخرجو جدودنا مل ميصر " مصر " علا يد سدنا موسى بن عمران حا كدوش باروخ حو من حاد ﺇيلكالوث ) ثم يقوم رب الأسرة برفع طبق " السيدير" فو ق رؤوس الحاضرين جميع مرتلا ما معناه بالعبرية ( بفضل الله خرجنا من مصر و هذا خبز المعانات لأناس أصبحوا أحرارا.... ) أما في المناطق حيث يتجذر البعد الأمازيغي فهذا مثال من " الهاجادا " عند اليهود الناطقين بالأمازيغية
tarula ay s neffagh gh " maser " …..
Ayddegh N ughrum ur imtinn da ttecan
Lewaldin nnegh gh" maser " …… kullu mad yagh
Lâz iddu ad itec, mad yagh fad iddu ad isu 
asegwas ddegh gh tmazirt ddegh ;
Imal gh bit lmekdiss. 
و معناها بالعربية 
هرولة خرجنا من مصر ......
خبزا غير مختمر أكلنا.....
أجدادنا في مصر.....كل من كان جائعا أكل ؛ و من كان عطشانا شرب....
العام هذا في البلد هذا ....
العام المقبل في بيت المقدس..... 
 
* عيد الشبوعوت ( العنصرة )
يحل بعد مرور سبعة أسابيع على عيد الفصح وهو من أعياد الحج إلى جانب الفصح و عيد المظال و تتلى فيه الصلوات داخل البيع ويأتي بعد حصاد محصول القمح و توجه أدعية و صلوات ليملئ الرب الأيادي بغلال الأرض و خيراتها و يلهم المؤمنين حسن التصرف. 
 
* حانوكا 
يؤرخ هذا العيد ﻹنتصار اليهود بزعامة المكابيين الذين كانوا قليلي العدد و العدة على اليونان رغم كثرتهم و يأتي هذا العيد في الخامس و العشرين من شهر " كسلاف " حسب التقويم العبري تدوم اﻹحتفالات ثمانية أيام كاملة حيث يتم ﺇحضار شمعدان لتشعل شمعة في اليوم الأول ثم اثنتان في اليوم الثاني فثالثة في اليوم الموالي و هكذا دواليك إلى أن يتم ﺇشعال ثمانية شموع و لهذا العيد قدسية كبيرة لما له من بعد روحي إذ يرتبط بمعجزة آنية الزيت الصغيرة التي كانت كافية ﻹضائة مشعل الهيكل يوما واحدا فقط فحدثت العجيبة الرائعة ﺇذ ضلت الشعلة و هاجة تغالب القدر بشعلتها الذهبية مدة ثمانية أيام إلى أن تمت عملية تطهير الهيكل الذي دنس من طرف الوثنيين , لليهود المغاربة تقليد قديم في هذا العيد ﺇذ تقوم الأمهات بتحضير أكلة " الشفنج " الشهية و هي فطائر على شكل دوائر شبيهة بالدمالج "..... و يسمى هذا العيد كذالك بعيد الأنوار....
 
* البوريم 
يتسم هذا العيد بالمرح و الضحك و الصخب و الضوضاء يحل في الثالث العشر من " آذار" العبري و تعود أصول هذا العيد إلى زمن تفسير التوراة و فيه يتذكر اليهود خلاصهم من "هامان" الشرير بفضل استير و يحرص الكثيرون على قراءة قصة استير كاملة كما وردت في التوراة، في الأحياء اليهودية ببلداننا كانت النسوة تقوم بإعداد الكثير من الحلويات "الشباكية "- " الغريبة "- " البسطيلة " –" كعب غزال " -" المحنشة "....و يتم تبادل هذه الأصناف من الحلوى بين الأسر و العوائل كما يتم تحضير الشاي بالنعناع بكميات كبيرة جدا حيث كان يحتسى على ﺇيقاع سرد النكت و المستملحات و بهذه المناسبة يقدم الكثيرون على لعب الورق "الرونضا " غالبا على شكل جماعات صغيرة قرب محلاتهم التجارية المغلقة طيلة ذالك اليوم ومن ميزات هذا العيد ارتداء ألبسة تنكرية والبحث عن مقالب مضحكة للإيقاع بالبعض كل هذا تحت طائل من الضحك و الترويح عن النفس "....
 
*رأس السنة العبرية ( روش هاشانا )
بحلول شهر" تيشري" العبري يحيي يهودنا السنة العبرية الجديدة و من أساسيتها و ركائزها تعويد المؤمن على اﻹحساس بالندم و عدم السقوط في الدنس و الخطايا التي تغضب الله مرة ثانية، و التفكر مليا و بإمعان في يوم الدينونة حيث الأخيار بين أحضان الملكوت ينعمون و يفرحون، و الخطاة في الهاوية يتدورون و يتوجعون ....( حيث البكاء و صرير الأسنان... ) تبدأ مراسيم العيد عند غروب الشمس و عند منتصف الصلاة المطولة يتم النفخ بالناقور و يعبر الحاضرون عن الندم بتلاوة أدعية و صلوات و يتوجهون كذالك إلى الله ليفيض بخيراته وفضائله وأن يعين المؤمنين لكي يسيروا في طريق البر و الصلاح; و أن يسلكوا في جميع و صايا الرب و أحكامه ....ثم يشترك الجميع في تناول وجبة العيد و هي عبارة عن طبق رأس الحمل بأنواع كثيرة من الخضر، أما وجبة العشاء فطبق من الدجاج بالبصل...
 
*يوم كيبور ( يوم الغفران )
يأتي بعد ثمانية أيام من رأس السنة العبرية و هو يوم صوم كما أمرت التوراة و فيه يجب على كل مؤمن أن يتذكر ذنوبه بقلب كسير و نفس متواضعة وأن يعدد خطاياه التي ارتكبها في حق الله و في حق الناس و أن يطلب من " يهوه " بروح صاغرة و من أعماق روحه وكامل قوته المغفرة و الرحمة.....
في المغرب كانت عادات اليهود عندنا تحضير أ طباق كثيرة من الدجاج، أما خبز" كيبور" فكان يتميز بخصوصية فريدة إذ من مكوناته الأساسية زيت الزعفران و كميات من اللوز الجيد الشئ الذي كان يعطيه نكهة خاصة.....
 
- عادات و طقوس أخرى
عرف التراث اليهودي بالمغرب بصمات واضحة تدل على مؤثرات ثقافية أمازيغية موغلة في القدم كاﻹحتفال بعيد " ميمومنة " وهو عيد يخص اليهود المغاربة دون سواهم الذي يأتي بعد اليوم السابع من عيد الفصح و حسب التقليد الأمازيغي والروايات القديمة فميمونة هاته جنية ذات سلطة و سطوة تفوق حد الوصف و التقدير قادرة على جلب الخصوبة و الخضرة و الجمال و تعد بالخير الوفير و النتاج الغزير في مواسم الحصاد و القطاف إن نحن عرفنا كيف نخطب ودها و كيف نعمل على إرضائها
ستفيض خوابينا عسلا جيدا و زيتا رفيعا.....
ستمتلئ مطاميرنا قمحا و شعيرا ....
و سلالنا عنبا ورمانا وتينا ....
ستذر نعاجنا لبنا صافيا غزيرا......
و ستمنحنا وبرا ناصعا وفيرا.....
و سنقيم أعراسا وو لائم لياليا طوالا ......هللويا....هللويا......
 
كما آمن الكثير من اليهود بالكهانة و بعض صنوف السحر و المعتقدات التي كانت سائدة بين أوساط الأمازيغ
- كتعليق سبعة خيوط من ألوان مختلفة على قفا المريض لطرد الأرواح الشريرة
- تعليق صفائح من حديد على أبواب الدور و المنازل ردءا للعين الحاسدة و إبطالا للسحر
- وضع دملج على عتبة الباب وسكب شئ من الحليب داخل إطار الدملج لتشرب منه الفتاة لكي تحافظ على نظارة وجهها و جماله ....
كما كانت الكثير من الأهازيج والأناشيد الدينية تردد بمختلف اللهجات الأمازيغية قديما و بالدارجة المغاربية.
 
- تسمية المولود و الختان عند اليهود
يختن المولود الذكر في اليوم الثامن من ولادته و يقوم الأهل بتنظيم حفل تتخلله أدعية و صلوات و أناشيد دينية جميلة و يحرص يهودنا في مثل هذه المناسبات على تغطية رؤوسهم لأن اسم الرب يذكر خلال هذا الاحتفال ؛ يعطى المولود اسما رسميا و أحيانا اسمين ( هارون ) – ( يوسف ) – ( شلومو ) – ( يئير ) – ( شمعون ) – ( سامي ) – ( موريس ) – ( حنينيا ) –( موشي )- ( دافيد )- ( إيلي ) ....و غيرها من أسماء المواليد الذكور أما إذا كان المولود أنثى فينتقى لها من الأسماء - ( فريحا )- ( عاليا )- ( راشيل ) – ( رينا )– ( صول ) – ( ميريام ) – ( استير )– ( سارة )– ( ريبيكا )– ( سيمخا )- ...... بصفة عامة يحمل المولود البكر اسم جده من والده و هذا تقليد شائع بين أوساط يهودنا بالمغرب، و يتم اختيار الأسماء عادة وفق تقاليد و أعراف متوارثة، ففي فترة الحمل قد يحدث أن ترى الأم مثلا في منامها أحد أولياء اليهود الصالحين و هو يخاطبها أو يبوح لها بسر ...أو يقدم لها عطية أو منحة ماء....خبزا....ثيابا...مصباحا أو شيئا من هذا القبيل ؛ وقد ترى في منامها نبيا من أنبياء العهد القديم أو أحد الأقرباء المتوفين فيختار الأهل للمولود اسم ذالك الشخص .....
و تشير التقاليد أن النبي إبراهيم ختن في العاشر من شهر تيشرين العبري و هو اليوم الذي افتدي فيه النبي إسحاق فهنا يتداخل الفداء و الختان بشكل متناسق كعلامتين متلازمتين من علامات العهود و المواثيق المبرمة بين الله و شعبه و كوسيلة للتقرب إلى ( يهوه ) . 
 
- بار ميتسفا 
عند بلوغ الصبي الثالثة عشر من عمره يعطى هذا الاسم، فالثالثة عشرة إذن هي سن التكليف وقبل هذا السن يعمد الأهل على تمرين الصبي للقيام ببعض الأعمال الدينية أو الاجتماعية بغية تأهيله و إدماجه داخل محيطه كأن يقدم كلمة مثلا أو يقرأ مزمورا أو فصلا من التوراة بالكنيس أو عند تجمع عائلي فيقيم الأهل حفلا تخليدا لهذه المناسبة التي أصبح فيها ( البار ميتسفا ) مسؤولا عن تصرفاته وأفعاله و عليه أن يحترم الشريعة و أن يسلك في جميع وصايا الرب و أحكامه وبهذه المناسبة يصير ل ( البار ميتسفا ) هو الآخر " شالا " يلفه حوله عند الصلاة و يرافقه هذا الشال طيلة حياته بل هناك من يكفن به عندما يرحل إلى دار البقاء...
 
-البات ميتسفا
و كما الصبي فإن الفتاة تبلغ سن التكليف في سن الثانية عشر فيقام لها هي الأخرى حفلا و يتم تحسيسها بدور المرأة الصالحة داخل الطائفة و بمسؤولياتها و التزاماتها المنتظرة طبقا لشريعة موسى ابن عمران..... 
 
- الزواج 
 
يشكل الزواج حدثا هاما بالنسبة لليهود ؛ فهذا الرباط المقدس لا يقتصر على الجانب المادي فقط ؛ بل يتعدى ذالك ليحافظ على خصوصيات دينية و روحية بالغة الأهمية....
يعتبر اليوم الأول من أجمل الأيام بالنسبة للعروسين ؛ فهو بمثابة ( يوم كيبور ) شخصي ؛ إذ تغتفر جميع الذنوب و تنسى كل الخطايا لأن ( هاتان ) = العريس و( كالا ) = العروس يتحدان برباط واحد و يذوبان في روح جديدة تتسم بالاخلاص و الانضباط و احترام وصايا الرب كاملة ... 
في تقاليد يهودنا تشبه العروس بالملكة و العريس بالملك و هذا تقليد شائع حتى عند المسلمين بالمغرب الأقصى إذ يطلق على العريس خلال فترة الزفاف تسمية مولاي السلطان و على العروس لقب للا السلطانة.....
و لهذا تجلس العروس على كرسي كبير مزين و هي تستقبل ضيوفها ؛ بينما يكون العريس محاطا بأصدقائه الذين يحتفون به و هم يغنون له و يرقصون تحت وابل من الطرب و الغناء .....
و من بين العادات التي تطبع حفل الزفاف فضلا عن الخاتم الذي يرمز لرابطة الزواج ؛ هناك عادة الخمار إذ يعمد العريس على تغطية وجه عروسه ببرقع و هذا التقليد لا يخلو من دلالات رمزية هادفة ؛ لأن المظهر الخارجي و شكل الوجه لا يساوي شيئا أمام السلوك السوي للمرأة و حسن خلقها و امتثالها لوصايا الرب و أحكامه ....إن هذا التقليد يذكرنا بزواج النبي ( إسحاق) من ( رفقة ) عندما أخفت هذه الأخيرة وجهها من زوجها يوم زفافها ؛ ويذكرنا كذالك بزواج ( ليئا ) من ( يعقوب ) عندما خدع هذا الأخير و ظن أن العروس التي كانت تحمل برقعا على وجهها هي خطيبته الحقيقية ( راشيل ) ....
كما أن هناك طقس آخر تجرى مراسيمه خارج البيت داخل خيمة و تحت نجوم الليل الساطعة لكي ينال العروسين البركة التي نالها أبونا ( إبراهيم ) الذي وعده الله بأن تكون ذريته كعدد نجوم السماء ؛ كما يتوجب على العروسين أن لا يتزينان بأي نوع من الحلي أثناء هذا الطقس لأن ما يجمعهما يتعدى ما يملكان من ذهب و فضة، ثم تقوم العروس بالطواف سبع مرات حول زوجها و عندما تنهي طوافها تقف على يمينه و تكون الخيمة المنصوبة مفتوحة من كل الجوانب كخيمة ( سارة ) و ( إبراهيم ) تماما لكي يتسنى استقبال جميع الضيوف و الرقم سبعة هنا يشير إلى عدد أيام الأسبوع ؛ خلال حفل الزفاف تملئ كأسين من النبيذ ؛ يشرب الزوجان من واحدة منها ثم يشرب من الثانية فيما بعد أثناء تلاوة التبريكات السبع ( شيفعا براخوت ) الذي يتلوها حاخام أو أحد الأقرباء و يرمز الخمر في الدين اليهودي إلى الفرح و السرور ( قليل من الخمر يفرح القلب..... كما قال داوود النبي .) و لكي يحظى الزواج بطابعه القانوني فانه يسجل على و ثيقة رسمية تدعى ( كيتوبة ) موقعة من طرف شاهدين فهي عبارة عن توافق شرعي يجمع الطرفين و فيها يلتزم الزوج بمتطلبات زوجته من مأكل و مأوى و كساء وأن يشملها بعنايته و عطفه و ( كتوبة) غالبا ما تحرر بطريقة تقليدية و بخط جميل و يحتفظ بها عادة داخل صندوق عند أهل العروس. 
 
- طلب الغيث
- عندما تحبس السماء وتحتاج الأرض للماء لتجود على أبنائها بخيرات الله كان يهود المغرب لا يتوانون في طلب الغيث و الدعاء و الصلاة بحرارة إلى حد البكاء وهناك من سلاطين المغرب القدامى من كان يطلب من اليهود الصلاة لله والاكثار من الدعاء لينزل رحمته على العباد، و يكون طلب الغيث عادة داخل دور العبادة أو بجوار ضريح أحد أولياء اليهود الصالحين......تروي لنا نصوص عائلة "ابن الدنان" اليهودية نماذج من هكذا مواقف، وهذا مقتطف من نصوص آل الدنان الأسرة التي عاصرت بعض سلاطين العلويين الأوائل و هي تصف بعض الأيام العجاف و كيف كان اليهود يرفعون أدعية و صلوات لكي يجود السيد الرب على عباده و بهيمته ...
- ( آه لأحزاني ...... فقد احتجنا إلى المطر يوم" شبات قودش " = السبت المقدس السادس من آذار الثاني ....و قررت أنا الصغير أن أصوم ستة أيام لعل الرب يرحمنا ....و في يوم الخميس الحادي عشر من شهر آذار الذي يوافق صوم " استير" ذهبنا بعد الصلاة إلى قبر الحاخام الحبر الجليل " يعقوب قانيزال " طيب الله ذكراه و قرأنا الجزأين الأخيرين من مرثيات " أرميا " و توسلنا و ابتهلنا و ذهبنا إلى قبر الحبر الأعظم و قرأنا بعض التوسلات و قام الحبر الجليل" شالوم درعي " و فسر الفقرة الأولى من) أرميا النبي ) الواردة في ( مدراش صموئيل ) و استقيت المياه ....و فرحنا و سررنا في سنة 5499 لبدء الخليقة و زالت المحن التي مرت بنا في السنين الماضية ) .....
تروي لنا هذه النصوص كذالك ما يلي ......( آه من لنا إذا أخطأنا ؛ احتجنا إلى المطر في ذالك الوقت من شهر آذار الثاني ؛ و كانت السماء كنحاس و بذنوبنا الكثيرة قررنا الصيام في السابع من شهر آذار مع أن العادة أن يتم الصيام بعد وفاة موسى .....و على أي حال لم يقع أي إثم لأن أكثر أعضاء الطائفة لم يكونوا صائمين....و الحق لقد صام في ذالك الوقت الرجال و النساء و الصبية و صلينا و ابتهلنا كثيرا و تلونا التوراة في صلاة الصبح و في صلاة العصر قرأنا ( الويحال ) و أكثرنا كذالك من الدعاء و بسبب ذنوبنا الكثيرة لم يستجب لنا ..... و في يوم الخميس التاسع من شهر آذار الثاني صمنا كذالك و عند صلاة الصبح بعد الوقوف قرأنا " و قال داوود ....إلى جاد " و بكينا و رتلنا المزمور كما العادة و " القديش " 
 
- الجنائز عند اليهود 
( إيلوهيم ناثان ... إيلوهيم لكاخ ....) ومعناها بالعربية الله وهب ...الله أخذ........بهذه العبارة المؤثرة النابعة من القلب يتحمل اليهودي المؤمن مرارة فراق عزيز أو حبيب ؛ و يتقبل إرادة الله وحكمته في المغرب يعمل الأهل والجيران و ذي القربى على مساعدة أهل الفقيد والتخفيف عنهم و لو بالكلمة الطيبة لكي يجتاز محنة و لوعة الفراق و ليتحمل قدر الله بقلب صابر محتسب.......
بعد التيقن من موت الشخص يقوم أحد الحاضرين بإغلاق عينيه و تمديده على ظهره و تمديد يديه و يتم تدثيره كليا بالغطاء قبل أن يتم تغسيله ؛ و قبل حمل الراحل إلى مثواه الأخير تتلى أدعية و صلوات و يطلب الحاضرون من الله المغفرة ( ميحيلة ) للشخص المتوفى و أن يتقبل صالح أعماله و أن يتغاضى برحمته عن هفواته و زلاته ؛ ثم يحمل النعش في اتجاه ( الميعارة ) = المقبرة ليوارى الثرى و يقوم الحاضرون برمي حفنة أو حفنتين من التراب داخل الحفرة كمساهمة رمزية ...و قبل مغادرة المقبرة يقوم من رافق الجنازة بغسل الأيدي دون مسحها ......
يقسم الحداد في بلداننا في بلداننا إلى ثلاثة أقسام. 
1- الشيفعا . السبع أيام الأولى ؛ حيث يتم إشعال شمعة تذكارا للراحل و تتلى صلوات خلال هذا الأسبوع من أجل راحة روح الفقيد .
2- الشلوشيم . الثلاثين يوم الأولى ؛ حيث يتوجب احترام الحداد قدر الامكان فيسلك ذوي الفقيد البساطة في المأكل و الملبس و في جل المعاملات و يتفادون حضور الحفلات أو إشعال المذياع أو الذهاب إلى السينما مثلا....
3- الذكرى السنوية . يحيي يهودنا الذكرى السنوية للفقيد و فق طقوس و مراسيم متوارثة اعتيد عليها منذ مئات السنين و يراعى في الذكرى التقويم العبري و تتلى خلال هذه المناسبة أدعية خاصة من أجل راحة الفقيد كما يتم تقديم صدقات والقيام بأعمال خيرية باسم الشخص المتوفى لتكتب له الحسنات و يتقبله الرب في ( ملخوت الشماييم ) = ملكوت السماوات ؛ فيقوم الأهل مثلا بالتبرع بملابس لصالح دور العجزة و الأيتام أو تقديم أموالا للجمعيات أو كتب للكنيس و دور الثقافة....
 
الأضرحة و المزارات 
كرم يهود المغرب أوليائهم الصالحين من ذوي الكرامات العظيمة والذكرى الرفيعة؛ مانحي السكينة والشفاء ..... المنعمة أرواحهم في العلياء .... و المحروسة دوما في حرز الحياة .... المشهود لهم بالمسلك الصالح... و النهج الراجح.....المطيبة عند الله ثراهم... والمخلدة في السماوات ذكراهم....فأقاموا لهم أضرحة تليق بالمقام الطاهر والمكانة السامية، و خلدوهم في مواسم و حفلات شتى اكتسبت تقليدا و صيتا مع مرور الأيام والسنون و شهرة تعدت آفاقها الأمصار و الأقطار ؛ و حملوها معهم ذكرى رقيقة و هم من وراء البحار، فلا يتوانى يهود المغرب مثلا المغتربون في الديار الأمريكية والأوروبية بل و حتى المقيمين في دولة إسرائيل نفسها على المجئ لموطن الأسلاف ومراتع الصبا حيث رأت عيونهم النور لأول مرة واكتحلت بشمس الوطن كلما كانت الفرص سانحة لأحياء مواسمهم الدينية و زيارة أضرحة الأولياء لنيل البركات وصلة الرحم مع الأحياء و الأموات ; فرابطة الموت أقوى ; و الكثير منهم يعمل على تنمية هذا الشعور لدى الأبناء و الأحفاد من الجيل الثاني و الثالث و تقوية تلك الروابط و الوشائج و العمل على ديمومتها و استمراريتها ؛ وتزخر أرض المغرب كما هو معلوم بمئات المقامات و المزارات لأولياء اليهود الصالحين المعروفة لحد الآن دون تلك لم يبق لها أثر يذكر؛ منها على سبيل المثل لا على سبيل الحصر 
- ضريح الرابي عمران بن ديوان بقرية " أسجن " على بعد تسع كيلومترات من مدينة وزان 
- الرابي حاييم بينتو- ابراهام بن سوسان – ابراهام كنافو – يوسف ملخا ب الصويرة 
- لالا سوليكة - يهودا بن العطار- منشي بن ديان - فيدال سرفاتي-هارون مونصونيغو ب فاس
- شلومو كوهن- موشي ميمون – يوسف بن شمعون – يوسف بن بيبي – يوسف الترجمان ب دبدو
-إسحاق بن شتريت- أبراهام أمسلم – إيلياهو ....اسحاق قوريات ب الدار البيضاء
- ابراهام مولناس ب أزمور
- باروخ طوليدانوا - حاييم مساس – رافاييل بيرديغو ب مكناس
- رافاييل النقاوة – ابراهام طوليدانو- موشي الباز – موردخاي كوهن – أفراييم مايمران ب سلا
- شالوم زافراني – دافيد بن باروخ – بنحاس هاكوهن ب تارودانت
- اسحاق بن وليد – ابراهام بيباس – يهودا حلفون ب تطوان 
- شيميول بو حصيرة – إيليعازر دافيلا – يوسف الماليح – إيلياهو ملخا ب وارزازات و ضواحيها 
- ابراهام بوحصيرة – مسعود بوحصيرة – موشي الترجمان ب الريساني 
- شاوول نحمياس – بنحاس بن يئير – مسعود بن موحى – ابراهام ابيخزر- دافيد صباح –حبيب مزراحي –يهودا السرفاتي- مسعود بار ميمونة – مائير بار شيشات – يعقوب ليفي – يعقوب حزان – دافيد لشكر – يعقوب أحكنازي المشهور ب ( مول الما ) ب مراكش و ضواحيها 
- شلومو بن عمار ب بني ملال 
 
و هناك من بين هذه المزارات من هو قبلة ومجال احترام حتى من بعض المسلمين وهناك منهم من يقدم النذور و يتبرك بذكرى الولي الصالح كاليهود تماما ... 
 
خاتمة 
هكذا عاش يهودنا...... و هكذا كانوا متجذرين على هذه الأرض المعطاء ...فعمرهم عمر الجبال تماما كأرزنا العتيق ....و كنخيل واحاتنا.....و زيتون جبالنا....يخدمون الأرض بسواعدهم وعرقهم و يحبونها بملء أفئدتهم و أرواحهم ؛ فتجود عليهم بخيراتها في وقت الحصاد و القطاف..... هكذا كانت أعيادهم و أعراسهم..... و تلك كانت مواسمهم وأفراحهم التي أحيوها و حملوا مشاعلها جيلا بعد جيل .....هي ذي شواهد ناطقة صادقة عن يهودنا….. و بعض من الذاكرة الحية التي تحكي لنا عن أناس كانوا بالأمس جزءا منا؛ فهللوا و رنموا لله العلي بلغة ( مازغ ) و بلهجات أهلنا في السهول و الصحراء ؛ عشقًا عشقوا هذه الربوع و أحبوا معها أناسها و شمسها و تعمدوا بمائها و نورها ؛ و فوق ربوع المغرب حملوا التوراة عاليا عاليا لأنها الجليلة...والبهية....والمنيرة..... و عظموا من سار في درب الإيمان و الورع بصدق الأولياء و الأنبياء فكانت لهم الذكرى الحضور ..... فأقاموا لهم مزارات و أضرحة تذكارا لكراماتهم ؛ و تعظيما لمقامهم و مكانتهم ......من منا من عاش في القرى و المداشر و من لا يتذكر أو يسمع عن تاجر يهودي و هو يجوب صحبة حماره ربوعنا ومسالكنا و ينادي بأعلى صوته فتهب الصبايا نحوه لتأخذ ما تحتجنه من حلي و أدوات زينة مقابل بيض و زيت أو مكيال من شعير ....و كيف كان يبيت في القرية عند أحدهم عندما يداهمه الليل أو تتقطع به السبل فيسامر أهل القرية على ضوء المدفئة و على إيقاع أقداح الشاي.... من منا لم يسمع عن امرأة يهودية أو مسلمة قصدت أحد أولياء الله بقلب كسير و عين دامعة لتتمسح على جنبات ضريحه و تدهن بشيء من ترابه و تشعل قنديلا أو شمعة لتطلب منه أن يمنح الشفاء لفلذة كبدها..... أو أن يهبها قرة عين فيكون لها ما تريد على قدر إيمانها.....
تلك كانت صفحة من صفحات حياة لأناس من نبت هذا الوطن و جزء من الذاكرة اليهودية ببلاد المغرب ......

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter